-

كتابنا

تاريخ النشر - 06-03-2023 09:45 AM     عدد المشاهدات 138    | عدد التعليقات 0

المزار واسطة العقد

الهاشمية نيوز - نايف النوايسة
ما كانت منذ كانت إلا معانقة السماء على مدارج الدم الزكي، احتضنته بكفيها الطاهرتين حين اهدتها المدينة المنورة ذات زمن قبل 1400 هجرية هذه المنصة النورانية.
هي المزار عاشقة السمو والمحبة والحرية ومقاومة الظلم، وأخذت مكانها على دربها الصاعد من جنوب الأمة إلى شمالها وتحدثها المشارق والمغارب بألق الأماجد وكبرياء الأحرار.. وعيناها النقيتان تأخذان من صفاء السماء سمة الخلود ومن صفحة الأفاق سطورا من رحابة وامتداد.
وبين يديها ميزان الاعتبار القائم بين أيدي أقمارها الثلاثة (زيد وجعفر وعبدالله)،
هي حارسة المكان والقائمة على خزائن الأمان وخندق المواجهة..
من المزار للحرية عينٌ لا تخطئ دربها، والدرب يصعّد شمالاً، وأي شمال هذا الذي يتلقف جيش المسلمين؛ إلى المجهول الذي لم تخبره العين الباصرة أم إلى حيث شاء الله له، وإلى عناء بعد عناء من سفر مهلك وحذر وخوف وتردد وترقب.. وفي معايير الجيوش لا أرى جيش مؤتة إلاً بعثة كبيرة للدعوة وطليعة رعتها عين السماء ليكتب التاريخُ على دفتره فيما بعد أن الدعوة الإسلامية معلقة أمراسها بالسماء، وفي معان يُصنع القرار؛ إما إقدام وإما إحجام..
وحسم الوضع ابنُ رواحة المزاري مذكراً الجيش بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم حين ودّعهم.. وهل هناك قفزٌ على قراره عليه الصلاة والسلام؟!
ومضى الجيش يطوي البيداء على درج الشمال إلى أن تجلّت له مؤتة وتلقته بأذرع الوداد وهيأت له سماط الوطيس، وكانت المواجهة مع ذباب الشر لستة ايام، ووُلدتْ معها مأثرة مؤتة الخالدة ومكانتها في تاريخ المعارك والقادة والدعوة.
خالد بن الوليد القائد الفذ/ سيف الله المسلول يخلص الجيش من مهلكة قد تودي به، ويمضي بالجيش إلى المدينة، والشهداء يدفنون في المزار سفراء للدم الزكي والمهمة السماوية.. نعم، سجّلوا حضورهم في دفتر المزار مبكراً فكانت بهم فضاءً عُلويّاً نقياً.. لقد اختار الله تعالى المزار لهم وطناً وعنواناً للحرية والانعتاق من شِباك الظلم..
زيد بن حارثة كان حِبّاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم واختاره على أهله، فهو مرتبطٌ بالرسول وكأنه من ولده، وحبى الله به المزار حين حل جثمانه فيها جاراً طيباً وروحه تحوم فوقها منذ أزيد من 1400 سنة.
وجعفر بن أبي طالب لا يُعرف له في مكة تاريخٌ إلاّ أنه ابن أبي طالب وابن عم الرسول وأقرب الناس شبهاً به وأسلم مبكراً ثم لمع نجمه حين هاجر إلى الحبشة ووقفنا على ذكائه وفطنته في حواره مع نجاشي الحبشة ثم عاد إلى المدينة المنورة ولحق مباشرة بجيش المسلمين إلى تبوك، لكن ذكره تألق في جيش مؤتة وكان القائد الثاني بعد زيد.. وقال في المعركة شعراً:
يا حبذا الجنة واقترابها
طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها
كافرة بعيدة أنسابها
علي إذا لاقيتها ضرابها
أما الأمير الانصاري الصحابي عبدالله بن رواحة فما علمنا من تاريخه إلاّ أنه كان أحد رجال بيعة العقبة وأنه أحد شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم وله في الذب عنه صولات وجولات منه فحاز شارة شاعر الرسول، وكان تكريمه أن يمنحه الرسول منزلة متقدمة، وشرف عظيم بأن يكون أحد قادة غزوة مؤتة وهو الذي حسم قرار المعركة حين تريث الجيش في معان وقال حين ودع الناس الجيش في المدينة المنورة ما يأتي:
لكني أسأل الرحمن مغفرة
وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
طعنة بيدي حران مجهزة
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
كما قال عند توليه قيادة المعركة:
أقسمت يا نفس لتنزلنه
طائعة أو لتكرهنه
إذا جلب الناس وشدوا الرنة
ما لي أراك تكرهين الجنة
قد طالما قد كنت مطمئنة
هل أنت إلاّ نطفة في شنة
وقال أيضاً:
يا نفس إن لم تُقتلي تموتي
هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت
إن تفعلي فعلهما هديت
المزار بهؤلاء الاقمار في عين الزمان، لا تغيب عن صفحات التاريخ ولا يتجاوزها نظر أو يغفل عنها دارس، ذلك لأن معركة مؤتة هي الخطوة الأولى في السطر الإسلامي خارج الجزيرة العربية، وهي القلعة التي منها تحطمت حصون الشر والظلم وفتحت باباً التحليق الإسلامي في الشرق والغرب..
من المزار توزعت بيارق التحرير إلى اليرموك والقادسية وإجنادين ومصر وكأنها هي الكنانة المكينة لصناعة المجد والعزة ومعقل الأحرار الذين يلوذون بها بين حين وآخر..
المزار كينونة لنورٍ لا ينطفئ، وجدارها الإسلامي دفتر مُعتّق بالحرية ومذهبات العنفوان.
حين تقفُ على هامتها الشماء وتعلّق عينك على أفقها الغربي تلوح لك فلسطين بشذاها المبارك وجراحها الندية وأنفاس شهدائها الزكية.. المزار تتكئ على وسادة فلسطين ولا تبرحها لأنها منذ كانت لا ترى إلا المدى الحر الرابط بين شهداء مؤتة ونداءات أهل فلسطين، وصوت كل حر في العالم..
عند مرتفعها الجنوبي الذي يبلغ ينهض فوق سطح البحر بحوالي 1200م تقريباً تنقسم المملكة قسمين: ما جنوبها هو الجنوب وما شمالها هو الشمال.
والدرب الممتد بين يديها حفيّ بأنفاس الذين مروا أو الذين استقروا فهي حاضرة من حواضر الأمة في تنوعها الاجتماعي ويقظتها الفكرية الثقافية وحراكها الحضاري، فالشهداء الأخيار هم العنوان وتاريخهم الباهر هو أشرف بيان،
وأما أهل المزار فهم يلتفون حول جيرانهم الصحابة كالسوار حول المعصم، وتربوا على أنهم أحفادٌ نجباء لهم ولم تنقطع صلتهم بهذه الجيرة الشريفة.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :