-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 20-03-2023 11:04 AM     عدد المشاهدات 211    | عدد التعليقات 0

حمص أبو أكرم ..

الهاشمية نيوز -

رشاد ابو داود


سألت الرجل المسن النشيط عن أبو أكرم، أين هو؟ قال وهو يحمل بيد عدة أرغفة وبالأخرى صحنين، أحدهما يمتلئ بالحمص المزين بخطين متعاكسين من السماق، الغارق بزيت الزيتون : الله يرحمه، توفي منذ ثلاث سنين ! ومن هذان الرجلان الواقفان وراء «منصة» مرتفعة قليلاً عن أرضية المطعم يعدان بجدية عسكرية صحون الحمص و الفول؟
قال إنهما ابناه.
تذكرت أبو أكرم، بل ذهبت خصيصاً لأتذكره و..أتذكرني. كان متوسط القامة، أبيض الوجه ذا شعر شبه أحمر، على طبيعته فلم تكن الصبغة موضة تلك الأيام لتحول الشعر الأبيض الى أسود بثوان. نظيف يلمع كطفل ولد للتو، يرتدي قميصاً أبيض دائماً. هو أيضاً جدي جداً. لا يتكلم إلا قليلاً. أما يداه فكانتا تتكلمان بصمت وهو يعد صحون الحمص كما لو كان يعد الفطور أو العشاء الأخير لزبائنه. لكنه دائماً يكون الفطور الأول مكررا، فمن يأكله يوماً لا بد يعود إليه.
وقتها كان مطعم أبو أكرم عبارة عن دكان واحدة بثلاث طاولات في الداخل وواحدة على الرصيف لكنه الأشهر بالحمص بطحينية في الزرقاء. أيامها كان ثمة « تخصص» في الأكلات الأكثر شعبية في المدينة العائلية. نعم عائلية، فكان سكانها كعائلة واحدة، يعرفون بعضهم و..يحبون بعضهم بصدق.
الفول كان من تخصص مطعم السلام على طرف حسبة الخضار القديمة. والفلافل تخصص مطعم أو شبه مطعم إذ لا طاولات ولا من يجلسون. كله عالماشي. ساندويشات شهية تشم رائحتها عن بعد حتى من المقاطعة في الشارع المقابل للمطعم أو بالأحرى هو مقابلها فهناك مركز الشرطة الذين يعرفهم كل أهالي المدينة وهم يعرفون أهلها. فمعظمهم، أي الشرطة، من أهل المدينة، أقصد يصبحون من أهلها. فالقادم من معان أو إربد أو الطفيلة أو أي منطقة من الأردن لا يعود من دوامه إلى بلدته يومياً بل يحضر عائلته إلى الزرقاء. يستأجر بيتاً بدينار ونصف أو دينارين حيث كان متوسط الرواتب ما بين سبعة وعشرة دنانير شهرياً.
« هل أكلت منها يا عبدالله؟»
لا، هذا ليس سؤالاً. إنه عنوان مطعم الفلافل المكتوب على لافتة كبيرة على واجهة المطعم أو بدقة البسطة الثابتة. كتبت عنه قبل سنين ولا بد أن أبناء الزرقاء في منتصف الخمسينات والستينات يتذكرونه ويظل جزءاً مميزاً من ذاكرتهم. فلم نعتَد أن نرى اسم مطعم أو دكان بصيغة سؤال أو تساؤل. ربما كان صاحبه شاعراً وجد أن بسطة الفلافل تطعم خبزاً أكثر من أبيات الشعر !
أما الحمص و بلا منافس فكان من اختصاص أبو أكرم.
دخلنا أنا وصديقي الذي لم يكن من سكان الزرقاء لأعرفه عن جزء من مدينتي. وجدت أن المطعم الدكان توسع وأصبح دكانين. الطاولات صارت سبعة شبه ملتصقة ببعضها فالزبائن كثر. الحمص أضيف إليه الفول والفلافل طبعاً لكن الحمص هو المرتبط بذاكرتي للمطعم كما شخصية أبو أكرم الذي لم تكن سيجارة الجولدستار تفارق طرف فمه وأثار احتراقها على أصبعيه السبابة والوسطى.
ابناه ورثا المهنة عنه وهم نموذج لكثير من الناس في ذلك الزمن الجميل وهو ما يسمى «المهن العائلية». وربما ابنه الثالث الآن طبيب أو محامٍ أو مهندس أو أستاذ جامعة. فلا بيت من الزرقاء أيامها لم يخرج منه جامعي أو أكثر.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :