تاريخ النشر - 12-03-2025 10:43 AM عدد المشاهدات 1 | عدد التعليقات 0
تجارة على ظهر الطفولة .. تحقيق يكشف الوجه الخفي لعمالة الأطفال في الأردن

الهاشمية نيوز - تحقيق عدي صافي
"بيت العمال": عدد الأطفال العاملين في الأردن يتجاوز 100 ألف طفل
"بيت العمال": 60 ألف طفل يعملون في بيئات عمل خطرة
وزارة العمل: عدد حالات عمل الأطفال المكتشفة لعام 2024 بلغ 294 حالة
وزارة العمل: عدد الجولات التفتيشية خلال 2024 بلغت 7110
الراعي: قانون الجرائم الإلكترونية لا يتضمن نصوصاً صريحة تجرّم استغلال الأطفال عبر الإنترنت في مجال العمل الرقمي أو الإنتاج الإعلامي
الراعي: مع تطور التكنولوجيا ظهرت أشكال جديدة من استغلال الأطفال عبر المنصات الرقمية
"تجارة على ظهر الطفولة"، بهذه العبارة يمكن تجسيد ما مرَّ به الطفل مصطفى "اسم مستعار"، وهو ينازع مشقات الحياة، في سبيل إعانة عائلته التي غرقت في غيابة الفقر والعوز.
يترقرق الدمع من عيني الطفل مصطفى في كل مرة تلتقي مع أعين أقرانه من الأطفال وهم يرتدون زيهم الأزرق ويحملون حقائبهم مع ساعات الصباح الباكر، يسيرون في طريقهم نحو المدرسة، بينما يحمل هو على أكتافه الضعيفة وعظامه البارزة من شدة الفقر، أكياسا سوداء عقدت بشكل يسهّلُ جرّها قليلا.
ومع كل نظرة إلى أقرانه، كان مصطفى يسأل نفسه عن السبب الذي يحرمه من عيش حياة شبيهة بأصدقائه الذين يتجاورون معه السكن في أحد أحياء عمان الشرقية القديمة، قبل أن يتذكر حالة عائلته الاقتصادية الصعبة ويبدأ بالمناداة من على بسطة صغيرة:"مفرش الأكل بنصف دينار، اكسسوارات تلفونات بس بدينار..".
يقول "مصطفى" لمعد التحقيق إنه بدأ العمل بعمر الـ12 على إحدى "البسطات" في منطقة وسط البلد بالعاصمة عمان؛ حيث كان يصل إلى الموقع سيرا على الأقدام، وسط انهمار المطر وارتدائه ملابس لا تقي برد الشتاء.
وبين الطفل العامل خلال حديثه أن ما دفعه للعمل في ذاك السن الظروف الاقتصادية الصعبة التي عانى منها والده، حيث أقدم على العمل بمختلف المهن، لتوفير دعم مادي يعيل أسرته، حسب وصفه.
وأفاد مصطفى أنه بدأ بجمع مبالغ مالية من عمله حتى تمكن أخيرا من شراء "بسطة" بمحتوياتها، ومن ثم غدا من أصحاب "البسطات" في وسط البلد.
يقول:"بعد ما نزلت البسطة اطلعت على نفسي بنظرة فخر وصرت أقلب بضاعة كل يوم وأجيب ربح"، إلا أنه لم يسلم من ملاحقات الجهات المعنية، حيث صودرت بضاعته مرارا، وألقي القبض عليه أكثر من مرة.
وتابع في حديثه لمعد التحقيق وهو يضع صحن الطعام على الطاولة:"كنت أهرب لما تيجي المداهمات على البسطات، وأرجع أنزل بسطات جديدة.. الحياة صعبة، اشتغلت في كل اشي وكنت أنزل أجمع خردة بالليل عشان أساعد أهلي".
مصطفى بات اليوم يعمل في أحد أشهر المطاعم بعمان لأكثر من 12 ساعة يوميا، دون أن يحصل على اشتراك في الضمان الاجتماعي أو تأمين صحي أو حتى إجازة أسبوعية وبأجرٍ زهيد لا يتجاوز 10 دنانير، وهي الظروف التي يعاني منها ما يقدر بـ100 ألف طفل في الأردن، حسب أرقام غير رسمية حصل عليها موقع الهاشمية.
ووفقاً للمادة (2) من قانون حقوق الطفل الأردني رقم 17 لسنة 2022، يُعرَّف الطفل بأنه "كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره".
*"أصوات من الحقول"..
وسط انعدام الحلم، والغدُ المشنوق على مقصلة الحياة.. يجاهدُ الأطفال العاملين في المزارع في سبيل الحصول على دنانير معدودات، ورغيفُ خبزٍ دافئ يصمتُ خرير معداتهم، هناك في مناطق الأغوار والمفرق، باتَ الرداء البالي شيئا لا يقدرُ بثمن للعديد من الأطفال، وسقفُ المنزل سماءً تقي أجسادهم لهيبَ الصيف، والريح العاتية إذا ما هبطَ الشتاءُ القارس.
معد التحقيق تتبع قصص هؤلاء الأطفال اليومية، وحصل على أجزاءٍ من دراسة "لم تنشر بعد"، تناولت جوانب من عمالة الأطفال بالقطاع الزراعي في مناطق الأغوار، ومحافظة المفرق.
ووفق الدراسة فإن 44.4% من الأطفال تعرضوا لحوادث أثناء قيامهم بالمهام الزراعية، فيما واجه 60.3% حيوانات برية مثل الأفاعي أو الحشرات.
وفي ذات السياق شعر 70.6% بالألم عند القيام بعملهم.
وعند تفحص تأثير العمل على الاطفال أفادت غالبية كبيرة 72.2% بأنهم شعروا بالتعب والإرهاق من عملهم مما يشير إلى طبيعة مسؤولياتهم الشاقة، وعلى العكس من ذلك أفادت نسبة أقل من 13.2% بعدم الشعور بالتعب مما يشير إلى مستويات متفاوتة من الإجهاد البدني والعاطفي بين الأطفال العاملين.
وفيما يتعلق بالشعور بالألم أثناء أداء وظائفهم أو مهامهم أفادت الأغلبية بأنهم شعروا بالألم 70.6%.
"في العام الماضي سقطت من شجرة جوز عالية بينما كنت أقطف الجوز وكانت تلك أخر مرة أصعد بها على شجرة، لكن لا تزال ذراعي مخلوعة، إذا سحبتها يمكنها البروز" - ذكر أردني - وادي الأردن (شمال).
وقال طفل آخر يبلغ من العمر 15 عاما من المفرق إن "مالك المزرعة لا يعطينا أي شيء، كل منا يجلب معداته من منزله، فأنا لا أستخدم قناعا، لكنني أضع شماغا حول وجهي لأنه أفضل من القناع أثناء رش المبيدات الحشرية".
*أكثر من 100 ألف طفل عامل في الأردن
تشير التقديرات الصادرة عن المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" إلى أن عدد الأطفال العاملين في الأردن قد شهد ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة.
بينما أظهر المسح الوطني لعمل الأطفال عام 2016 أن العدد كان يبلغ نحو 76 ألف طفل منهم 45 ألفا يعملون في مهن خطرة فإن البيانات المستحدثة تشير إلى أن هذا العدد ارتفع بنسبة تقارب 25% بعد جائحة كورونا، حسب حديث رئيس "بيت العمال" حمادة أبو نجمة لموقع الهاشمية.
وبناءً على هذه التقديرات، توقع "بيت العمال" أن يتجاوز العدد الحالي للأطفال العاملين في الأردن 100 ألف طفل، مؤكدا وجود حاجة الملحة لاتخاذ إجراءات فعالة للحد من انتشار الظاهرة.
* 60 ألف طفل يعملون في بيئات خطرة
"بيت العمال" أوضح أن الأطفال يعملون في الأردن في قطاعات متنوعة، إلا أن بعض المهن تستقطب أعدادا أكبر منهم، خصوصا المهن التي تتطلب مهارات منخفضة وجهدا بدنيا شاقا.
وذكر أن القطاع الزراعي يأتي في المقدمة حيث يستوعب نحو 32% من الأطفال العاملين يليه قطاع التجارة وإصلاح المركبات بنسبة 28% ثم الصناعة بنسبة 11% وقطاع البناء بنسبة 9%، مبينا أن هذه القطاعات تعتبر ظروف العمل فيها في كثير من الأحيان (ظروف عمل خطرة)؛ حيث يتعرض الأطفال لمواد كيميائية وأدوات حادة ودرجات حرارة مرتفعة ما يزيد من المخاطر الصحية والمهنية عليهم.
60% من الأطفال العاملين يشتغلون في بيئات خطرة
وأكد أن ما يقرب من 60% من الأطفال العاملين في الأردن يشتغلون في بيئات خطرة وهو ما يعادل حوالي 60 ألف طفل، ويتعرض 48% من هؤلاء الأطفال لمواد وعوامل ضارة مثل الغبار والدخان والضجيج والمواد الكيميائية والأدوات الحادة، في حين أن 45% منهم يعملون لساعات تتجاوز الحد القانوني البالغ 36 ساعة أسبوعيا مما يعرضهم للإرهاق والإصابات بشكل متزايد، كما أن نسبة 19% من الأطفال العاملين يعانون من سوء المعاملة بما في ذلك الإهانات اللفظية والصراخ والانتقاد المستمر وأحيانا الضرب.
الناطق الرسمي باسم وزارة العمل محمد الزيود قال إن البيانات المتوفرة لدى وزارة العمل لا تعد اساسا للحكم على أي القطاعات الأكثر زخما في تشغيل الأطفال إلا أنها تتوافق مع نتائج المسح الوطني لعمل الأطفال لعام 2016 حيث يعد قطاع تجارة الجملة والتجزئة واصلاح المركبات من أكثر القطاعات تشغيلا للاطفال، حسب الزيود.
*لماذا تتزايد عمالة الأطفال؟
يرتبط انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في الأردن بعدد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية إذ يعد الفقر والبطالة من أبرز المحركات الرئيسية التي تدفع الأسر إلى تشغيل أطفالها، وفق "بيت العمال".
ويواجه الأردن حاليا معدلات بطالة مرتفعة، حيث يبلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 418 ألف شخص ما يؤثر بشكل مباشر على قرابة مليونين ونصف المليون شخص يعيلونهم، وفي ظل تدني مستويات الأجور في العديد من القطاعات تضطر بعض العائلات إلى دفع أطفالها نحو سوق العمل لتأمين مصدر دخل إضافي يساعدها على تلبية احتياجاتها الأساسية.
إلى جانب ذلك، قال "بيت العمال" إن انتشار العمالة غير المنظمة وارتفاع تكاليف المعيشة وضعف شبكات الحماية الاجتماعية عمّق الأزمة، كما يسهم التسرب المدرسي في تفاقم الظاهرة حيث يجد بعض الأطفال أنفسهم خارج النظام التعليمي دون بدائل حقيقية ما يدفعهم إلى الانخراط في سوق العمل.
وتابع:"على الرغم من وجود استراتيجيات وطنية وبرامج تهدف إلى مكافحة عمالة الأطفال فإن التحديات القائمة تتطلب مراجعة شاملة للسياسات المتبعة لضمان فعاليتها في معالجة جذور المشكلة".
مديرة المناصرة والإعلام والإتصال في مؤسسة إنقاذ الطفل - الأردن، نادين النمري أكدت أن معضلة عمل الأطفال لا تزال تشكل تحديًا في الأردن، خاصة في القطاعات غير الرسمية مثل الزراعة، ونبش النفايات، والتسول الذي يعد أحد أسوء أشكال عمل الأطفال، مما يجعل العديد منهم يعملون في بيئات غير آمنة، تتسم بساعات عمل طويلة، وأجور متدنية، وعدم توفر معايير السلامة والصحة المهنية.
وأوضحت النمري أن ذلك يعرّض الأطفال لمخاطر جسدية ونفسية تؤثر بشكل مباشر على فرصهم في التعليم، حيث يؤدي العمل إلى انقطاعهم عن الدراسة أو تدني أدائهم الأكاديمي، مما يحدّ من فرصهم المستقبلية ويؤدي إلى حلقة مستمرة من الفقر والاوضاع الاقتصادية الصعبة.
وذكرت في ردّها على استفسارات "موقع الهاشمية" أن ذلك الأمر يعود إلى عدة أسباب وربما أهمها العوامل الاقتصادية، مثل الفقر أو عدم قدرة ولي الأمر على العمل والحاجة إلى دعم دخل الأسرة، إضافةً إلى التسرب المدرسي وعدم القدرة على تحمّل تكاليف التعليم أو حتى الوصول إلى المدارس في بعض المناطق النائية.
وتابعت:"الموروثات الاجتماعية وبعض القناعات لدى أرباب الأسر تشكل سببًا في بعض البيئات لعمل الأطفال تحديدا للأهالي ذوي مستوى التعليم المتدني الذين لا يدركون أهمية التعليم لمستقبل أبناءهم".
*شروط صارمة لعمالة الأطفال في القانون الأردني
القانون الأردني يحظر تشغيل الأطفال دون سن السادسة عشرة كما يفرض شروطا صارمة على تشغيل الفئة العمرية بين 16 و18 عاما، من بينها منع تشغيلهم في الأعمال الخطرة أو لساعات طويلة.
الخبير القانوني د. أشرف الراعي قال إن عمالة الأطفال تعتبر من القضايا الحساسة التي تواجه المجتمعات، حيث تسعى التشريعات الوطنية والدولية إلى حمايتهم من الاستغلال وضمان حقهم في حياة كريمة وتعليم مناسب.
وأشار إلى أنه وفقاً للمادة (2) من قانون حقوق الطفل الأردني رقم 17 لسنة 2022، يُعرَّف الطفل بأنه "كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره"، وهو تعريف يتماشى مع الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها الأردن عام 1991، والتي تنص على ضرورة توفير بيئة آمنة للأطفال تضمن نماءهم وحمايتهم من جميع أشكال الاستغلال.
ولفت الدكتور الراعي في حديثه إلى أن قانون العمل الأردني رقم 8 لسنة 1996 يحظر تشغيل الأطفال دون سن السادسة عشرة، حيث تنص المادة (73) منه على أنه “يُمنع تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور”، كما تلزم المادة (74) أصحاب العمل بتوفير ظروف عمل آمنة إذا تم تشغيل الأطفال بين 16 و18 عامًا في أعمال غير خطرة.
وفي حال مخالفة هذه الأحكام، يتعرض أصحاب المنشآت لعقوبات تشمل الغرامات المالية، والتي نصت عليها المادة (77) من القانون، إضافة إلى عقوبات أشد قد تصل إلى الحبس بموجب المادة (389) من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960، والتي تعاقب كل من يستغل القُصّر بفرض أعمال شاقة عليهم أو يعرضهم للخطر، حسبما أشار الراعي.
وتابع د. الراعي "لا تقتصر المسؤولية القانونية على أصحاب العمل فقط، بل تمتد إلى الأهل أو الأوصياء القانونيين الذين قد يُجبرون الأطفال على العمل في ظروف قاسية أو تعيق تعليمهم".
وأوضح أنه وفقاً للمادة (10) من قانون حقوق الطفل الأردني، فإنه يُلزم أولياء الأمور بضمان التحاق أطفالهم بالتعليم الإلزامي، وعدم تعريضهم لأي شكل من أشكال الاستغلال الاقتصادي، وفي حال مخالفة ذلك، تنص المادة (32) من القانون نفسه على فرض غرامات مالية تتراوح بين 100 و300 دينار أردني على الوالدين أو الأوصياء الذين لا يلتزمون بإلحاق الطفل بالتعليم أو في حال ثبوت استغلالهم له بأي شكل من الأشكال.
مديرة المناصرة والإعلام والإتصال في مؤسسة إنقاذ الطفل - الأردن، نادين النمري قالت إن التشريعات الوطنية في مجال عمل الأطفال تنسجم بشكل كبير مع المعايير الدولية ذات العلاقة، وقد حقق الأردن خلال السنوات الماضية تقدما ملحوظا على مستوى السياسات في حماية الأطفال من العمل والعمل القسري، حيث يحدد قانون العمل الحد الادنى لعمل الأطفال بسن 16 سنة وضمن شروط صارمة، كما يوفر قانون حقوق الطفل حماية للأطفال المستغلين في عمل الأطفال ويفرض العقوبات والغرامات على مشغلي الأطفال، كما أن قانون منع الاتجار بالبشر يغلظ العقوبة في حالات العمل القسري للأطفال والتسول المنظم لتصل الى الاشغال الشاقة، بالإضافة إلى إقرار الاستراتيجية المحدثة للحد من عمل الأطفال والاطار الوطني المحدث للحد من حالات عمل الأطفال والتسول.
وبينت النمري أن التحدي يكمن في تنفيذ القوانين وتطبيق العقوبات بشكل فعال. إضافة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تستدعي تعزيز البرامج الوقائية ودعم الأسر، عدا عن تكثيف الرقابة على سوق العمل لضمان حماية الأطفال من الاستغلال و كذلك تطوير العملية التعليمية للحد من تسرب الاطفال من المدارس.
* صعوبة في تطبيق القانون
"بيت العمال" أكد أنه رغم وجود قوانين صارمة فيما يتعلق بعمل الأطفال إلا أن تطبيق تلك القوانين ما زال يواجه صعوبات كبيرة، موضحا أن عدد المخالفات التي يتم ضبطها سنويا لا يتجاوز 500 حالة وهو رقم لا يتعدى 0.5% من إجمالي الأطفال العاملين ما يشير إلى وجود قصور واضح في آليات الرقابة والتفتيش، حسب رأيهم.
بدوره الناطق الرسمي باسم وزارة العمل محمد الزيود أوضح لـ"الهاشمية" أن عدد حالات عمل الأطفال المكتشفة للعام 2023 بلغ (507) حالة، فيما بلغ عدد حالات عمل الأطفال المكتشفة للعام 2024 (294) حالة.
"بيت العمال" أفاد أن "من أبرز التحديات في إطار تطبيق القانون، قلة عدد مفتشي العمل وغياب الرقابة على بعض القطاعات التي تنتشر فيها عمالة الأطفال بكثافة مثل الزراعة والبناء، معتبرا أن العقوبات المفروضة على أصحاب العمل المخالفين غالبا ما تكون غير رادعة حيث يتم التعامل مع تشغيل الأطفال كمخالفة قانونية بسيطة بدلا من اعتبارها جريمة تستوجب عقوبات صارمة".
وطالب "بيت العمال" بـ:
* ضرورة تجريم العمل القسري للأطفال "كجريمة قائمة بحد ذاتها
* تعزيز قدرات الجهات الرقابية لضمان تنفيذ القوانين بفعالية
* توسيع نطاق المراقبة لتشمل كافة القطاعات التي ترتفع فيها نسب تشغيل الأطفال.
7110 جولة تفتيشية خلال 2024
وحول عدد الجولات التفتيشية التي أجرتها الأقسام المتخصصة في وزارة العمل، كشف الناطق باسم الوزارة محمد الزيود أنها بلغت (7110) للعام 2024 زيارة.
وصرح أن عدد المنشآت التي تم زيارتها بلغ(3889) منشأة خلال عام 2024 في مختلف محافظات المملكة.
أما فيما يتعلق بعدد المخالفات والإنذارات التي حررتها الوزارة بحق منشآت خالفت القوانين ووظفت أطفالا لديها خلال العام الماضي، قال إن عدد المخالفات للعام 2024 بلغ (181) مخالفة، بينما بلغ عدد الانذارات للعام 2024 (201) إنذار.
*استغلال الأطفال عبر المنصات الرقمية
لم ينتهي الأمر عند عمالة الأطفال التقليدية، بل أوضح الخبير القانوني د. أشرف الراعي أنه ومع تطور التكنولوجيا، ظهرت أشكال جديدة من استغلال الأطفال، خصوصاً عبر المنصات الرقمية، حيث يتم إجبارهم على تقديم محتوى رقمي قد يكون ضاراً بصحتهم النفسية والجسدية، سواء من خلال بثوث مباشرة تستهدف جذب المشاهدات والإعلانات، أو من خلال إنتاج محتوى يتعارض مع حقوقهم الأساسية.
وعلى الرغم من وجود قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27 لسنة 2015، إلا أنه لا يتضمن نصوصاً صريحة تجرّم استغلال الأطفال عبر الإنترنت في مجال العمل الرقمي أو الإنتاج الإعلامي، مما يخلق فجوة قانونية تستوجب معالجتها، وفق حديث الراعي.
لذا، بين د. الراعي أن هناك حاجة ملحة إلى إدراج مواد واضحة ضمن قانون الجرائم الإلكترونية تجرّم تشغيل الأطفال رقمياً أو استغلالهم في المحتوى الإلكتروني، مع فرض عقوبات رادعة تصل إلى الحبس والغرامة المالية الكبيرة، لضمان حماية حقوقهم في الفضاء الإلكتروني ومنع أي انتهاك يؤثر على مستقبلهم.
وختم قائلاً إن "معالجة عمالة الأطفال بمختلف أشكالها، سواء التقليدية أو الحديثة التي ظهرت مع التطور الرقمي، تتطلب تكاملًا بين القوانين الوطنية والتشريعات الحديثة التي تتماشى مع التطورات التكنولوجية، إضافة إلى تعزيز آليات الرقابة وإنفاذ القانون بشكل صارم، كما يجب تكثيف الجهود التوعوية لحماية الأطفال وضمان تنشئتهم في بيئة سليمة تحمي حقوقهم وتوفر لهم فرص حياة كريمة وتعليمًا يساهم في بناء مستقبلهم".
*سبل التصدي لعمالة الأطفال
الخبير في قضايا العمال، ورئيس المركز الأردني لحقوق العمل حمادة أبو نجمة أكد أن التصدي لعمالة الأطفال في الأردن يتطلب رؤية شاملة تتضمن تحديث البيانات الخاصة بحجم الظاهرة وتقييم مدى فاعلية الاستراتيجيات والسياسات المعتمدة.
كما دعا أبو نجمة إلى اتخاذ تدابير اقتصادية واجتماعية تساعد الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية دون الحاجة إلى تشغيل أطفالها.
وأوضح لـ"رؤيا" أن تعزيز برامج الحماية الاجتماعية وتوفير الدعم التعليمي وضمان تطبيق القوانين بشكل صارم، كلها خطوات ضرورية للحد من استغلال الأطفال في سوق العمل وحماية حقوقهم في بيئة آمنة تكفل لهم مستقبلا أفضل.
دعم مادي وتوجيهي.. مشاريع للحد من عمالة الأطفال
بدورها مديرة المناصرة والإعلام والإتصال في مؤسسة إنقاذ الطفل - الأردن، نادين النمري قالت إن المؤسسة تعمل من خلال مشاريعها المختلفة على اتخاذ الإجراءات الوقائية والتدخلات اللازمة للتعامل مع أي مخاطر أو ممارسات سلبية تشكل خطراً على حياة الأطفال وتحرمهم من طفولتهم.
وبينت النمري أن ذلك يتم من خلال حماية الأطفال من مختلف أشكال العنف والإساءة والاستغلال بما في ذلك عمل الأطفال، حيث تنفذ "إنقاذ الطفل" عدة برامج تشمل خمسة مناطق جغرافية مختلفة حيثما تتركز مشكلة عمل الأطفال.
ووأشارت إلى أن عمل المؤسسة يركز على سحب الأطفال من سوق العمل واعادتهم الى التعليم من خلال تطبيق منهجية إدارة الحالة.
وتشمل التدخلات تقديم خدمات رفع الوعي والوالدية الإيجابية للمجتمعات وأيضا تدخلات فردية لكل حالة على حدا بما يشمل ذلك من تقديم دعم نقدي (بدل مواصلات) لالحاق الأطفال بالمدرسة وإشراك الأهالي في برامج التدريب المهني وتشبيكهم بسوق العمل، حسب النمري.
وأيضا تتضمن هذه الجهود السعي إلى إحداث تغيير جوهري على المستوى الوطني والمجتمعي من خلال تنفيذ حملات المناصرة وكذلك تعديل وتعزيز أنظمة الحماية الوطنية.بما يضمن تحقيق النتائج المرجوة، وأهمها الحد ّ من ظاهرة عمل الأطفال السلبية.
*تجارب ناجحة لدول حاربت عمالة الأطفال
خبراء دعوا إلى الاستفادة من نماذج دول نجحت في محاربة عمالة الأطفال وخفضها إلى نسب متدنية بعدما سجلت أرقاما كبيرة.
ومن أبرز تلك التجارب عالميا كان:
1. البرازيل: برنامج "بولسا فاميليا"
أطلقت البرازيل في عام 2003 برنامج "بولسا فاميليا" (Bolsa Família)، وهو برنامج للتحويلات النقدية المشروطة يستهدف الأسر ذات الدخل المنخفض.
يشترط البرنامج على الأسر ضمان حضور أطفالهم للمدارس والحصول على الرعاية الصحية الأساسية.
بحلول عام 2011، استفاد من البرنامج حوالي 13 مليون أسرة، مما ساهم في خفض معدلات عمل الأطفال بنسبة 14%.
2. الهند: قانون حق التعليم (RTE) لعام 2009
في عام 2009، أقرّت الهند قانون حق التعليم، الذي يضمن التعليم المجاني والإلزامي للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عامًا.
أدى هذا القانون إلى زيادة معدلات الالتحاق بالمدارس وتقليل عدد الأطفال العاملين.
وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية، انخفض عدد الأطفال العاملين في الهند من 12.6 مليون في عام 2001 إلى 4.3 مليون في عام 2011.
3. تركيا: البرنامج الوطني لمكافحة عمل الأطفال
أطلقت تركيا برنامجًا وطنيًا لمكافحة عمل الأطفال يركز على سحب الأطفال من بيئات العمل الخطرة وإعادة دمجهم في النظام التعليمي. بين عامي 1994 و2006، انخفضت نسبة عمل الأطفال في الفئة العمرية 6-14 عامًا من 15.2% إلى 2.6%.
4. المغرب: برنامج "تيسير"
أطلق المغرب برنامج "تيسير" للتحويلات النقدية المشروطة في عام 2008، بهدف دعم الأسر الفقيرة وتشجيع تعليم الأطفال.
يشترط البرنامج على الأسر ضمان حضور أطفالهم للمدارس بانتظام. بحلول عام 2014، استفاد من البرنامج حوالي 466,000 طالب، مما ساهم في تقليل معدلات التسرب المدرسي وعمل الأطفال في المناطق المستهدفة.
أطفال اليوم، بناة الغد
إن عمالة الأطفال في الأردن ليست مجرد أرقام وإحصائيات، بل تظل مأساة إنسانية تهدد جيلاً كاملاً بحرمانه من حقوقه الأساسية في التعليم والحماية والعيش بكرامة.
وبينما تسلط القوانين الضوء على خطورة هذه الظاهرة، يبقى التطبيق الفعلي والتوعية المجتمعية العامل الحاسم في مكافحتها. فكل طفل يُجبر على العمل هو قصة معاناة يجب أن تتوقف، ومسؤولية يتحملها الجميع، من الدولة إلى المجتمع، لضمان مستقبل أكثر إنصافًا لأطفال اليوم، بناة الغد