-

كتابنا

تاريخ النشر - 21-02-2024 10:28 AM     عدد المشاهدات 91    | عدد التعليقات 0

عمان - وسط البلد .. فيروز الصباح وكلثوم الليل ..

الهاشمية نيوز - نبيل عماري *
يناديني الحنين العميق لذاك الماضي الغابر، وعمان الجميلة ووسط البلد، فصرت أتوق للمشي في تلك الطرقات العتيقة ورائحة القهوة المحمصة و وذاكرة رائحة «الملبس ع لوز «تعطر السوق ومعامل الراحة والطحينية ورائحة الخبز التنوري في سوق السكر وسوق الخضار والفواكة ورائحة البرتقال الريحاوي والموز ابو نملة المعلق على أطراف عربة خشبية تتقافز نداءات الباعة تتغزل بالبضائع المختلفة، سجع وغناء حمرا يا بندورة خوخة للدوخة وأيمة بوظة ومن الكلمات التي سمعتها خاصة عند بائعي لعب الأطفال» عيط لأمك يا ولد» وتفلح الدموع ويفلح أصرار الولد في أن تقوم أمه بشراء تلك اللعبة.
عمان القديمة . تأسرني بجمالها وبعناق وسط البلد والجبل. عمان الماضي الجميل وذاكرة مكان وحروف مضيئة حملتها عمان لكل من عاش بها وأحبها، شوراعها تزهو في الحنين فهي كما غنت فيروز ( والذكريات صدى السنين الحاكي ) عمان جميلة كجمال سقوط حبات المطر الأولى على مسكبة نعنع او على تراب ناله العطش ليطلق رائحة زكية . عمان مدينة عامرة بالحيوية، فمع اول فجة صبح تقوم من نومها على صوت أسراب السنونو وهديل حمام تعطي للحركة رونقا، فهنا بائع كعك مسمسم يصيح ( كعك وبيض يا كريم ) ورائحة فلافل مقلية ومطاعم شعبية بدأت نشاطها اليومي لأفطار أناس ذاهبون إلى اعمالهم مع كاسة شاي كبيرة مضلعة بشاي فرط وساندويشة من مطعم فؤاد . عمان هي الشتاء المًحمل بالخير من السماء . ليغسل به الأرض والنفوس ويروي عطش النبات والعباد، ولمطر عمان رونق لا يشبه مطر أي مدينة أخرى يختفي الناس عند نزول المطر بين أطراف الدكاكين ويطلقون ابتسامة الحياة، تجلبهم زخات المطر لصحن فول نابت من بائع وفستق سوداني من ذاك النيجيري الواقف بجانب سوق الذهب يبيع الفستق السوداني الساخن . يشتم رائحة كنافة حبيبة في زاروبة البنك العربي، يهرع إلى تلك الرائحة والدفء وبوقية ساخنة تأتيك الكنافة الناعمة تفك عنك نفحات البرد القارص وكذا اكواب السلحب الممزوجة بالقرفة وجوز الهند عند طلعة جبل اللوبيدة تنتشق هبال السحلب ترتشفه يعطيك شعورا بالدفء.
أما مقاهي وسط البلد فهي وحدها لوحة . فترى ركناً لأصدقاء يلعبون الطرنيب بين وأصوات ضحكاتهم واتهاماتهم بالغش لبعضهم بعض. وهنا من يشرب القهوة ومعه كتاب او جريدة يصفحها ومحام يدرس قضية ووزير وشاعر . هنا صحن بليلة وأرجيلة بمعسل التفاحتين وهنا نقاش سياسي وهنا نقاش اجتماعي، ويخيم على اللوحة صوت كوكب الشرق يصدح : في فات الميعاد او شمس الأصيل فيدخل صوتها وجدان كل الجالسين في المقهى . فكما صباحات عمان فيروزية فمساؤها ولياليها كلثومية من الطراز الأول. وعندما يزور الثلج عمان وتكتسي بالثوب الأبيض تتغير حياتك، تراقب الثلج في نزوله تستمع لإذاعة عمان وبثها المباشر، تلعب بالثلج، ومحلات الحلويات تجد رزقها العميم في هذا اليوم من هريسة المارديني والعوامات والكنافات بأنواعها رملاوية وناعمة وخشنة.
عمان
هي نهر الزرقاء او سيل الزرقاء وراس العين ومياهها العذبة وبساتينها الجميلة الممتدة على جوانب نهرها والذي يرفض الموت. عمان تكونت على هذا السيل والذي فاض بالخير عدة مرات وبنيت بجانبه عاصمتنا عمان. كان سيل عمان هو ربيعها الدائم ترتوي منه البساتين ومساكب الخضرة بأنواعها وسيل عمان هو ذلك الصيف الجميل المتمثل بالناس الطيبين من سكان عمان يخرجون كل عطلة ومناسبة إلى عيون الماء والبساتين يفترشون الأرض يقومون بشي اللحمة وعمل التبولة يشترون الخس وضمم البقدونس وهم جالسون وهنا تسمع أصوات طاولة زهر ودربكة وموال. هكذا كانت عمان ولا تزال تجمع كافة الأصول والمنابت في تجانس واضح؛ فهنا الشركس والأرمن والشوام والبلقاوية والنوابلسة والحوارنة والفلاحون والبدو والقادمون من بخارى ومن اليونان والأكراد والتركمان والسريان كل له مجتمعة ولكن تجمعهم عمان بمحبة وفخر وتجانس فهم يضعونها بالقلب كما قالت فيروز.
عمان
هي ‹ القلعة والمدرج الروماني ‹ ذلك الجبل الآسر الذي يمنحك صورة ما إن تراها عيناك حتى يطبعها عقلك و يخفق لروعتها قلبك،
عمان
هي وسط البلد. راس العين، المحطة، الأشرفية، الجوفة، المهاجرين، التاج، القصور، اللوبيدة، جبل عمان، جبل الحسين، وغيرها.
عمان
هي سوق منكو والبشارات والحميدية والبخارية وشارع طلال والشابسوغ وسوق الذهب تجد كل ما يرضيك من انتيكات وملابس تراثية وملبس حامض حلو وراحة وبسكوت وتشم رائحة بزر يقلى ومخابز للتنور وحسبة تجد بها كل ما لذ وطاب ومحلات للكوارع والمنجدين ومن يعملون الفروات وحتى حذوات الأحصنة . هي مدينة الموزايك الجميل
عمان
هي رائحة البهارات والعطور ورائحة قهوة البدوي وهي تتحمص ورائحة دقة وزعتر عبد الرحيم ورائحة صابون نابلسي وعنبر وزهور وتتن وبخور.
عمان
الجامع الحسيني ونداء الله اكبر وتكبيرات العيد ترددها سفوح الجبال وهي أذان صبح وعصر من جامع ابو درويش.
عمان
هي جرس كنائس وبخور ممزوج بورع وصلاة من كنيسة الروم سقف السيل او دعوة لصلاة في كنيسة لاتين المصدار.
عمان
هي: رمضان و مدفع الافطار و الامساك و المسَحر. و بائعو القطايف والتمر الهندي العرقسوس.
عمان
هي بائعو الكعك المسمسم والبيض المشوي والزعتر والقراقيش والدحدح وكرابيج حلب والفول المشوي والنابت والبلية والسمسمية والفستقية وجوز الهند هي بائعو الحاملة والحمص المشوي والذراية المشوية والمسلوقة والصبر والعنبر الأحمر.
عمان
هي الزحام المختلط بالحب والتذمر والبساطة والألفة والإيمان ...
عمان
هي فيروز الصباح وكلثوم الليل..
عمان
هي عبدالرحمن منيف وعبدالرحمن شقير ومصطفى وهبي التل وتيسر السبول وصفي التل وهزاع المجالي وحيدر محمود.
عمان
هي التي بالقلب والعين واللسان وهي التي أرخت جدائلها، هي سعيد عقل وفيروز ونجاة وفارس عوض وتوفيق النمري واسماعيل خضر بلدي عمان وصبري محمود عمان هلالك طالع فوق الجبال
عمان درج الزعمط ودرج الحمراء وجسر الحمام وجسر المهاجرين وشارع خرفان ووادي سرور ودرج الكلحة.
عمان
هي الحبيبة التي عشقتها ولم أستطع أن أعشق سواها.
عمان
هي الحياة وهي الأمل وأحلى الذكريات.
* كاتب وباحث






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :