تاريخ النشر - 13-07-2021 12:52 PM عدد المشاهدات 364 | عدد التعليقات 0
طريدة الإنسان الجديدة
الهاشمية نيوز -
رمزي الغزوي
ما زالت تبهجني الحماسة البركانية المتدفقة التي يؤدي بها اللاعبون الإيطاليون نشيدهم الوطني، وهم يضعون أكفهم على دفات قلوبهم. إنهم يصرخون به بكلِّ أرواحهم، وتكاد تشعرُ بلهيب أنفاسهم يحرقُ ويرمّدُ نجيل الملعب. فهل يعود هذا إلى معنى النشيد ورمزيته والمعروف باسم «فراتيلي ديتاليا» أي إخوة إيطاليا، ومقطعه الأول: (إخوة إيطاليا/ إيطاليا استيقظت/ ربطت رأسها/ فأين النصر)؟.
الذي يعرف الطليان عن قرب يدرك أن الصراخ الحماسي توأمهم الأزلي. هم يصرخون دوماً، وبكل ما بهم من عزم وانفعال. في المدارس يصرخون، في الأسواق في الحفلات في الملاعب. وحين يسددون على المرمى، وحين يفشلون في التهديف. وحين يربحون أو يخسرون. هم حميمون يعيشون لحظاتهم بكل حذافيرها، ويعبرون بلهيب صراخهم عن كل ما يمر به.
ولربما يعود السبب في أن غالبية الجماهير العربية كانت في تشجيع ومساندة الفريق الإيطالي في مباراته النهائية ضد الفريق الإنجليزي في كأس أوروبا 2020 في ملعب ويمبلي اللندني إلى أن الصراخ، وحميمية الحياة تجمع الطرفين اي العرب والطليان بخيط خفي. حتى أن البعض منا يسمّي الطليان بعرب أوروبا.
بعيداً عن هذا التنظير التخميني. فقد عشنا أول أمس ثلاث ساعات من الإثارة العالية النبرات والموجات في تلك المباراة، والتي كنا نحتاجها في زمن الكورونا. كنا منحازين لفريق نحبه. ففي كرة القدم عليك أن تكون منحازاً بكامل قلبك وشغفك إلى أحد الفريقين؛ وإلا فلن تتذوق معنى اللعب، ولن تهنى بفحواه.
لكن لماذا نهيج ونستعر ونشعر بالإثارة والنشوة كلما هزّ فريق نشجعه شباك خصمنا؟. لماذا نحسُّ حين نعيش المباراة، بأننا نهرول وراء الكرة، ونراوغ بها، ونمررها ونقطعها ونركلها، ونحن متكئون بكل استرخاء على آرائكنا؟. ثم لماذا نغضب ونثور حين يخسر فريقنا، أو نطير بأجنحة البهجة حين يفوز أو يحرز هدفاً.
ربما يعود كل هذا إلى أن الإنسان البدائي كان يلاحق طريدته بشكل جماعي عشوائي، ومع مئات آلاف السنين لم يحدث كثير من الاختلاف في دواخلنا. فنحن اليوم قد صرنا نطارد صيدنا بشكل جماعي لكن في مستطيل أخضر، وبطريقة أكثر تنظيماً. وهذه الطريدة الثمينة قد تغيّر شكلها وحجمها وسرعتها، فأصبحت بهيئة كرة يتكفل فريقان عنا في مطاردتها؛ لننفجر فرحاً كلما أحرزنا هدفاً. فكل هدف ليس إلا طريدة مفترضة قد حصلنا عليها.
للأسف فقد عجزت الموسيقى والرسم وخرير الماء وحفيف الشجر وبريق النجوم أن تكون لغة مشتركة للعالم الكبير بالمعنى الواسع للغة، فيما نجحت الكرة أن تصبح لغة موحدة واحدة تنطق أقدام عالمنا الكروي.