-

كتابنا

تاريخ النشر - 26-08-2025 10:51 AM     عدد المشاهدات 1    | عدد التعليقات 0

مستقبل القضية الفلسطينية .. واقع مستعصي وسيناريوهات محتملة

الهاشمية نيوز - الأستاذ الدكتور هاشم الحمامي

شكّلت أحداث السابع من أكتوبر 2023 منعطفاً مفصلياً في مسار القضية الفلسطينية. فلم تكن مجرد جولة تصعيد جديدة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، بل تحوّلت إلى "حدث تأسيسي" أعاد رسم معالم الصراع، ونقل المنطقة من مرحلة "إدارة النزاع" إلى محاولة "حسمه بالقوة" عبر حرب واسعة النطاق على قطاع غزة. ومع مرور ما يقارب العامين، يظل المشهد أكثر تعقيداً وتشابكاً من أي وقت مضى، في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة، وانسداد سياسي، وتحولات في موازين القوى الدولية.

غزة: مأساة إنسانية مفتوحة.

بحلول أغسطس 2025، وصلت الكارثة الإنسانية في قطاع غزة إلى مستوى غير مسبوق. تقارير الأمم المتحدة، وخصوصاً الأونروا، تشير إلى أن 96% من سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما يواجه أكثر من 320 ألف طفل خطر سوء التغذية الحاد. هذا الواقع لا يعكس فقط نتائج الحرب، بل يُظهر أن السياسات العسكرية والحصار الإسرائيلي المطبق عمّقا المأساة، حتى بدا أن التجويع يُستخدم كأداة ضغط سياسي، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

مصير حماس ومعضلة "اليوم التالي"

رغم إعلان إسرائيل أن هدفها المركزي هو القضاء على حركة حماس وإسقاط حكمها في غزة، إلا أن المعطيات الميدانية حتى منتصف 2025 تثبت عكس ذلك. فالحركة ما زالت فاعلة عسكرياً وإدارياً داخل القطاع، وتدير حتى عمليات إدخال المساعدات. أما إسرائيل والولايات المتحدة فطرحتا سيناريوهات لـ"قيادة بديلة" قد تذكّر بتجربة "كرزاي" في أفغانستان. في المقابل، تصر السلطة الفلسطينية على أن عودتها إلى غزة مشروطة بتسليم حماس لسلاحها، وهو ما ترفضه الأخيرة بشكل قاطع. هذه المعادلة خلقت حالة من الجمود، تجعل سيناريو الفوضى أو استمرار الاحتلال العسكري الجزئي أكثر ترجيحاً.

حل الدولتين: دعم دولي.. ورفض إسرائيلي.

رغم تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة أن "لا بديل عن حل الدولتين"، يبقى هذا الحل في غرفة الإنعاش. فالتوسع الاستيطاني، والانقسام الفلسطيني، ورفض الحكومة الإسرائيلية القاطع لأي حديث عن دولة فلسطينية، جعلت منه خياراً نظرياً أكثر منه واقعياً. وبحسب تقرير إندبندنت عربية (2024)، فإن المجتمع الدولي لا يزال يتحدث بـ"لغة أوسلو" بينما تجاوزت إسرائيل هذه المرحلة عملياً.

بدائل مطروحة: الدولة الواحدة والكونفدرالية.

مع انسداد أفق الدولتين، عاد النقاش حول بدائل أخرى. "حل الدولة الواحدة" يُطرح أحياناً، لكنه يصطدم بمخاوف إسرائيل من فقدان هويتها "اليهودية والديمقراطية". أما "الكونفدرالية"، الذي يدمج دولتين مستقلتين في اتحاد تعاوني، فيبدو أكثر مرونة، خصوصاً في ظل التداخل السكاني في الضفة والقدس. غير أن تنفيذه يتطلب شجاعة سياسية وتوافقاً واسعاً لا يبدو متاحاً حالياً.

التحولات الدولية: أفول الهيمنة الأمريكية.

أبرز ما كشفته حرب غزة هو حدود النفوذ الأمريكي. فقد بقيت واشنطن الداعم الأكبر لإسرائيل عسكرياً وسياسياً، مستخدمة الفيتو ضد قرارات وقف إطلاق النار، لكنها وجدت نفسها "معزولة" دولياً. في المقابل، صعدت مواقف قوى أخرى مثل الصين وروسيا التي تبنت خطاباً أكثر ميلاً للفلسطينيين، فيما بدأ الموقف الأوروبي يشهد تحولاً تدريجياً نحو النقد العلني لإسرائيل، كما في قرار ألمانيا وقف تصدير أسلحة قد تُستخدم في خرق القانون الدولي.

السيناريوهات المستقبلية (2025–2030)

استناداً إلى المعطيات الحالية، يمكن استشراف ثلاثة سيناريوهات رئيسية:

1. استمرار الوضع الراهن: صراع منخفض الحدة في غزة، توسع استيطاني في الضفة، وعجز المجتمع الدولي عن فرض أي حل.

2. الانفجار الكبير: انهيار السلطة أو تفاقم الأزمة في غزة قد يدفع إلى انفجار إقليمي واسع، يهدد استقرار الشرق الأوسط.

3. الحل الجذري غير التقليدي: اللجوء إلى خيار جديد مثل الكونفدرالية، بدفع دولي وإقليمي لإيجاد مخرج من المأزق التاريخي.

الخلاصة.

إن أحداث السابع من أكتوبر لم تكن مجرد محطة دامية في تاريخ الصراع، بل فتحت فصلاً جديداً تتقاطع فيه التحولات المحلية والإقليمية والدولية. القضية الفلسطينية اليوم ليست فقط شأناً عربياً، بل مرآة لتحولات النظام العالمي، وتآكل الهيمنة الأمريكية، وصعود بدائل أخرى في السياسة الدولية. غير أن الحقيقة الأكثر وضوحاً تبقى أن غياب قيادة فلسطينية موحدة، واستمرار السياسات الإسرائيلية القائمة على فرض الوقائع، يجعلان أي أفق سياسي أقرب إلى الوهم ما لم تحدث تغييرات جذرية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :