-

كتابنا

تاريخ النشر - 12-08-2025 02:02 PM     عدد المشاهدات 1    | عدد التعليقات 0

استهداف "شهداء الكلمة": سياسة ممنهجة لإسكات فلسطين

الهاشمية نيوز -
بقلم: الأستاذ الدكتور هاشم الحمامي


منذ عام 1948، لم يقتصر هدف الاحتلال الإسرائيلي على السيطرة على الأرض الفلسطينية فحسب، بل امتد ليشمل محو الذاكرة وتدمير الهوية الثقافية. في هذه السياسة الممنهجة، برز استهداف الصحفيين والمثقفين والفنانين، الذين يُطلق عليهم "شهداء الكلمة". لم يحمل هؤلاء سلاحاً، بل كانت أقلامهم وكاميراتهم وريشاتهم أدواتهم الوحيدة لمقاومة التزييف ونقل الحقيقة، ما جعلهم هدفاً للاغتيال كما لو كانوا مقاتلين.

وقد وثقت منظمات دولية بارزة، مثل لجنة حماية الصحفيين (CPJ) والاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، هذا النمط الثابت من الاستهداف، الذي يكشف عن إستراتيجية واضحة لإسكات الأصوات الفلسطينية.



غزة.. أخطر مكان للعمل الصحفي.

منذ 7 أكتوبر 2023، تحولت غزة إلى ساحة حرب ضد الصحافة. قُتل أكثر من 190 صحفياً وعاملاً في الإعلام، معظمهم من الفلسطينيين، في ضربات جوية مباشرة أو هجمات بطائرات مسيرة. لم تكن هذه الخسائر مجرد "أضرار جانبية"، بل كانت جزءاً من خطة مُحكمة لإسكات الشهود المحليين، خاصة بعد منع دخول معظم وسائل الإعلام الدولية.

من أبرز ضحايا هذه الحملة الصحفي أنس الشريف وفريق قناة الجزيرة الذين استُهدفوا بالقرب من مستشفى الشفاء، والصحفية شيرين أبو عاقلة التي قُتلت برصاص قناص إسرائيلي رغم أنها كانت ترتدي سترة الصحافة. وغالباً ما تُسبق هذه الاغتيالات بحملات تشويه إعلامي تصف الضحايا بـ"الإرهابيين"، في محاولة لنزع شرعيتهم وتبرير قتلهم أمام الرأي العام.



محو الذاكرة والرواية: الأدباء والفنانون على قائمة الاستهداف.

لم ينجُ الأدباء والشعراء من هذا الاستهداف الممنهج. فمن غسان كنفاني وكمال ناصر في سبعينيات القرن الماضي، إلى رفعت العرعير وهبة أبو ندى في العدوان الأخير على غزة، مثّل هؤلاء حراساً للذاكرة الوطنية. إن قتلهم هو ضرب مباشر لقلب السرد التاريخي للشعب الفلسطيني ومحاولة لقطع التواصل بين الأجيال.

كما طالت يد الاغتيال الفنانين ورسامي الكاريكاتير، ومن أبرزهم ناجي العلي، مبدع شخصية "حنظلة" التي صارت رمزاً عالمياً للمقاومة، بالإضافة إلى فنانين آخرين مثل محمد سامي قريقع وهبة زقوت، الذين استخدموا ريشتهم وألوانهم كأداة للمقاومة.

"إبادة العقول": استهداف ممنهج للأكاديميين.

تصف التقارير الدولية ما يحدث في فلسطين بـ"الإبادة الأكاديمية"، حيث قُتل أكثر من 150 أكاديمياً وباحثاً فلسطينياً منذ أكتوبر 2023. إن تدمير الجامعات وشل التعليم العالي في غزة ليس مصادفة، بل هو محاولة واضحة لقطع السلسلة الفكرية ونقل المعرفة بين الأجيال، وتجريد المجتمع من طاقاته العلمية.



نمط ثابت وإفلات من العقاب.

تؤكد التقارير الدولية أن هذه الاغتيالات ليست حوادث فردية، بل هي سياسة ممنهجة تقوم على نمط واضح:

* حملات تشويه: تُطلق حملات إعلامية مضللة قبل الاغتيال أو بعده.

* ضربات دقيقة: تُستخدم الضربات الجوية أو القناصة لاستهداف الضحايا في منازلهم أو مواقع عملهم.

* غياب المساءلة: تُنفذ هذه الجرائم في ظل غياب شبه كامل للمحاسبة الدولية، رغم الأدلة الدامغة.

* تدمير البنية التحتية الثقافية: تتزامن هذه الاغتيالات مع تدمير ممنهج للمكتبات والمتاحف والجامعات.

هذا الإفلات من العقاب لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل يمثل خطراً عالمياً على حرية الصحافة والفكر. إنه يرسخ سابقة خطيرة تسمح لدول أخرى بتصفية الأصوات المعارضة دون خوف من المحاسبة، ما يهدد حقوق الإنسان الأساسية في كل مكان.



الدفاع عن الكلمة دفاع عن الإنسانية.

إن استهداف "شهداء الكلمة" جريمة مضاعفة: قتلٌ للأشخاص وقتلٌ للرواية والحقيقة. إن حماية الصحفيين والمثقفين ليست مجرد واجب قانوني، بل هي ضرورة إنسانية، لأن إسكاتهم يعني ترك الحقيقة عرضة للتزوير.

لذلك، فإن المطالبة بتحقيقات دولية مستقلة، ومحاسبة الجناة، وتوفير حماية حقيقية للعاملين في الإعلام والثقافة، ليست قضية فلسطينية فقط، بل قضية عالمية تتعلق بمستقبل حرية التعبير وحق الشعوب في سرد قصتها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :