تاريخ النشر - 04-08-2025 12:35 PM عدد المشاهدات 1 | عدد التعليقات 0
إيران في عين العاصفة: العقوبات تشتد والضربة العسكرية تلوح بالأفق.

الهاشمية نيوز - بقلم: الأستاذ الدكتور هاشم الحمامي
في منتصف عام 2025، تبدو إيران وكأنها تسير فوق حافة هاوية جيوسياسية حادة. يتآكل هامش المناورة أمام نظامها السياسي، وسط ضغوط غير مسبوقة تتوزع بين خنق اقتصادي محكم، وعزلة إقليمية ودولية خانقة، وتهديد مباشر بعمل عسكري قد يصيب البنية الاستراتيجية للنظام في مقتل.
أمام هذا المشهد، تلوح في الأفق معادلة حاسمة: هل تسقط طهران تدريجياً تحت وطأة الإنهاك، أم تُوجَّه إليها ضربة قاضية تُنهي مشروعها النووي وطموحاتها الإقليمية؟
الاقتصاد الإيراني تحت نصل العقوبات
تواصل واشنطن في عام 2025 تطبيق استراتيجية "الضغط الأقصى"، مستهدفة شرايين الاقتصاد الإيراني، خصوصاً صادرات النفط وشبكات التمويل المواكبة لها. وعلى الرغم من اعتماد طهران على أساليب تهريب متطورة — من استخدام ناقلات مجهولة إلى تزوير وثائق الشحن — فإن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي (OFAC) حدّث في نيسان/أبريل الماضي إجراءاته لملاحقة هذه الأساليب، مما زاد من شدة الحصار المفروض على الاقتصاد الإيراني.
وفي السياق ذاته، تلوح "آلية الزناد" (Snapback Mechanism) المرتبطة بالاتفاق النووي (JCPOA) كأداة ضغط أممية محتملة. إذ يُنتظر أن تنتهي صلاحية قرار مجلس الأمن رقم 2231 في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2025، لكن الدول الأوروبية الثلاث (E3) أعلنت في تموز/يوليو استعدادها لتفعيلها قبل هذا الموعد، ما لم تلتزم إيران بقيود نووية جديدة.
تفعيل الآلية سيعني العودة التلقائية لعقوبات دولية، تشمل حظر السلاح، وتجميد الأصول، وقيود السفر.
ورغم أن العقوبات فاقمت الأزمة المعيشية في الداخل، فإن النظام الإيراني وظّف هذه الضغوط كوسيلة لتعزيز رواية "الصمود السيادي"، مما سمح له بتشديد الرقابة الإعلامية والأمنية منذ تصاعد التوتر العسكري في المنطقة.
من غزة إلى دمشق: تمدد ينهار
شكّلت هجمات "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 نقطة تحول في الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث انتقل الموقف من الاحتواء إلى المواجهة المباشرة. سعت إسرائيل لتفكيك شبكة النفوذ الإيراني في المنطقة، بدءًا من ضربات موجعة لأذرع طهران في غزة ولبنان، مروراً بتقليص نفوذ الميليشيات الشيعية في سوريا والعراق، وانتهاءً بالضربات الجوية في اليمن.
لكن الضربة الأخطر تمثلت في سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، ما خلق فراغاً استراتيجياً كبيراً أضعف التموضع الإيراني في بلاد الشام، وقيّد حركته في نقل الدعم والتسليح. وقد تزامن هذا مع اتساع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى العمق العراقي واليمني، إضافة إلى تنفيذ إسرائيل لعمليات نوعية داخل إيران نفسها. كما تُوفي الرئيس الإيراني في حادثة غامضة، تشير بعض التقارير إلى ضلوع إسرائيلي فيها، ما أربك مركز القرار وأعمق الانقسامات داخل النخبة الحاكمة.
حرب الـ12 يوماً: اختبار الردع الإيراني
في حزيران/يونيو 2025، اندلعت مواجهة غير مسبوقة بين إيران وإسرائيل، عُرفت بـ"حرب الأيام الـ12". شملت الحملة غارات جوية أمريكية–إسرائيلية مركّزة على منشآت تخصيب اليورانيوم في "فوردو" و"نطنز"، إضافة إلى مخازن الصواريخ والطائرات المسيّرة، ومراكز القيادة والسيطرة.
استخدمت القوات الأمريكية قنابل خارقة للتحصينات من طراز (GBU-57) فيما كشفت هذه الحرب عن ثغرات كبيرة في منظومة الدفاع الجوي الإيرانية، رغم إعلان طهران لاحقاً نشر أنظمة روسية مثل ( S-400) وصينية مثل ( HQ-9P وHQ-22.) وحتى هذه الأنظمة لم تستطع منع الضربات التي أصابت منظومة( S-300) بشلل جزئي في تشرين الأول/أكتوبر 2024، وفتحت المجال أمام اختراق واسع للأجواء الإيرانية.
انتهت المواجهة في 23 حزيران/يونيو 2025 بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "وقف إطلاق نار شامل"، بعدما اعتبرت واشنطن أن الأهداف الاستراتيجية تحققت، ولتجنّب مزيد من التصعيد في حال نفاد الذخائر الإسرائيلية، حسب بعض التقديرات.
البرنامج النووي: مشروع تحت القصف
وصل مستوى تخصيب اليورانيوم الإيراني إلى 60%، متجاوزاً بكثير الحد المسموح به بموجب الاتفاق النووي. وفي حزيران/يونيو 2025، صوّت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار يدين إيران بسبب انتهاكاتها لالتزامات الضمان والتفتيش.
ورغم أن الضربات الجوية حدّت من القدرة الفعلية للمنشآت النووية، فإنها لم تُدمّر كميات اليورانيوم المخصّب المُخزّنة، ما يجعل "زمن الاختراق النووي" أطول — يُقدّر الآن بنحو عام — لكنه لا يُنهي خطر امتلاك إيران لسلاح نووي بشكل كامل، بل يؤجله فقط.
بين العزلة الإقليمية والانقسام الداخلي
على الساحة الإقليمية، تواجه إيران اصطفافاً معادياً غير مسبوق: تحالف أمريكي–إسرائيلي غير معلن مدعوم من أطراف عربية، مع حياد فعلي من روسيا والصين. هذا الاصطفاف يُقيد قدرة طهران على المناورة الاستراتيجية، ويجعل أي تصعيد منها محفوفاً بالمخاطر.
في الداخل، تواصل العقوبات إضعاف الاقتصاد، مع تزايد السخط الشعبي على الواقع المعيشي. لكن النظام يعتمد على القبضة الأمنية، والإعلام الرسمي، والتحكم بالفضاء الرقمي، لاحتواء الاحتجاجات المتقطعة وإبقاء الغليان دون انفجار شامل.
مفترق الطرق: خنق... أم انفجار؟
المعادلة الجيوسياسية الحالية تقوم على تضاد صارخ: من جهة، إصرار إيراني على البقاء كلاعب نووي وإقليمي فاعل، ومن جهة أخرى، تصميم غربي–إسرائيلي على تقليص هذا الدور حتى الحد الأدنى الممكن. في ظل هذا التنافر في موازين القوى، تجد إيران نفسها أمام خيارات ضيقة: التصعيد عبر الوكلاء، مهاجمة المصالح الغربية، أو حتى تهديد الملاحة في مضيق هرمز.
لكن أي من هذه السيناريوهات قد يُسرّع الانفجار الذي لا تملك طهران ترف تحمّله.
خاتمة: خيارات إيران... حقل ألغام مفتوح
في مفترق الطرق هذا، تقف إيران كمن يمشي فوق حقل ألغام؛ لا تملك ترف التراجع، ولا تضمن النجاة إن تقدمت. فهل تواصل "الاختناق التدريجي" تحت سطوة الضغوط، أم تُجبَر على مواجهة عسكرية قد تُغير وجه النظام بالكامل؟ الإجابة لا تكمن فقط في طهران، بل في تل أبيب وواشنطن وموسكو وبكين، وفي ديناميات دولية متقلبة تُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط بملامح جديدة كل يوم.