خاص - هاشم حمامي
في ليلةٍ لا تُشبه سواها، تهاوت الأسطورة التي نسجتها طهران على مدى عقود. طموحاتٌ نووية تبخّرت، وجيوش من الوكلاء تلاشت كالدخان، وعقيدة المقاومة التي كانت تُرهب الإقليم تحوّلت إلى ذاكرة خائبة في أرشيف الصراعات. لم تكن الضربات الإسرائيلية والأمريكية مجرّد ردود فعل، بل كانت نصلاً حاداً أعاد نحت خريطة الشرق الأوسط من جديد، تاركاً خلفه إيران منهكة، تتلمّس ما تبقى من نفوذها المتهالك في خرائب الوهم الإمبراطوري.
هكذا، انقلبت معادلة الصراع: من مشروع نووي يتحدّى، إلى نظام يبحث عن مَخرج مشرّف تحت ركام مواقعه الحيوية.
الضربات المنسقة التي شنّتها الولايات المتحدة وإسرائيل في يونيو 2025 لم تكن مجرد استعراضٍ للقوة، بل كانت عملية "بترٍ جيوسياسي" متقنة استهدفت العصب المركزي لقدرة إيران على المناورة والتهديد. استُهدفت المنشآت النووية في فوردو ونطنز وأصفهان، ودمّرت قواعد الحرس الثوري والبنية التحتية لوكلائها في اليمن وسوريا ولبنان.
هذه الضربات لم تعرقل فقط البرنامج النووي الإيراني بل أرجعته سنوات إلى الوراء، كما أجهزت على رموز الخبرة والعلم والعقيدة العسكرية، من علماء نوويين إلى قادة ميدانيين.
تفكك محور المقاومة:
سقوط نظام الأسد في سوريا كان الضربة التي قصمت ظهر المشروع الإيراني في المنطقة، إذ قُطعت خطوط الإمداد إلى حزب الله، وتحوّل الأخير من ذراعٍ ضاربة إلى عبء ثقيل بلا ردّ فعل. أما غزة، فالحرب التي استنزفت حماس والجهاد الإسلامي لم تترك لطهران سوى الحوثيين وبعض الميليشيات في العراق، وهم بدورهم باتوا محاصرين سياسياً وعسكرياً.
الداخل الإيراني يغلي:
على جبهة الداخل، يتوقع ان تتصاعد الاحتجاجات في الداخل الإيراني على وقع الهزيمة العسكرية المُرة التي لحقت بايران ومست كرامة وكبرياء الشعوب الإيرانية، بينما يبدو النظام معزولاً مهزوماً ضعيفٌاً.
فلا موسكو الغارقة في وحول أوكرانيا قادرة على نجدته، ولا بكين المستثمرة في الحذر راغبة في التورّط. وتبقى طهران وحيدة في مواجهة سيناريوهين أحلاهما مرّ: إما الخضوع لاتفاق قاسٍ ينزع عنها ما تبقى من هيبة، أو الانتحار في مغامرة عسكرية خاسرة قد تعني نهايتها. وفي كلتا الحالتين فإن احتمالات بقاء النظام أصبحت على المحك.
إعادة تشكيل الشرق الأوسط:
لقد دخل الشرق الأوسط عهداً جديداً، إذ انكمشت طموحات إيران التوسعية، وتبدّدت هالة "محور المقاومة"، وبرز تحالف غربي-إسرائيلي صلب أعاد تعريف موازين الردع. ومن رحم النار، خرج توازن جديد تُرسم فيه الخرائط لا بالحبر، بل بالدم والدخان والحديد.
الخاتمة:
ها هو الزمن يكتب فصله الجديد، لا بالحناجر العالية ولا بالشعارات الثورية، بل بإعادة تعريف القوة والحدود والدور. إيران التي لطالما أرادت أن تكون قلب الشرق الأوسط النابض، وجدت نفسها اليوم تُحاصر في زوايا الضعف، تتلمس خريطة وجودها في زمن لا يرحم الغافلين عن قواعد الجغرافيا السياسية.
وفي عالم لا يترك للضعفاء سوى فتات التاريخ، لن يكون أمام طهران سوى أن تختار: الانصهار في منطق الدولة، أو السقوط في منطق الزوال.
|
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. |
|
| الاسم : | |
| البريد الالكتروني : | |
| التعليق : | |
2,1 مليار عجز الموازنة للعام 2026 و 734 مليون دينار منح متوقعة
بريطانيا ترفع العقوبات عن الرئيس السوري ووزير داخليته
الأردنيون يؤدون صلاة الاستسقاء في مختلف مناطق المملكة
سرير طبي يتحول لسيارة إسعاف في شوارع دمشق
تحذيرات من صفحات مشبوهة تروّج لـ فرص سفر إلى أوروبا الشرقية
10 ملايين طائر مهاجر يعبرون سماء الأردن سنويا