تاريخ النشر - 21-06-2025 03:36 PM عدد المشاهدات 1 | عدد التعليقات 0
العراق على مفترق النار: هل تدفع الحرب الإسرائيلية الإيرانية بغداد نحو الفدرالية

الهاشمية نيوز - في الشرق الأوسط، لا تنتهي الحروب عند حدود من أشعلوها، بل تتسرب إلى جوف الدول المجاورة كسمّ بطيء، يعيد تشكيل ملامحها، ويفكك بنيتها الداخلية دون إطلاق رصاصة واحدة فيها. العراق، الذي وقف طويلاً على برميل من البارود، يترنح اليوم على وقع طبول الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، وكأنّ التاريخ يتهيأ لكتابة فصل جديد من الانقسام، قد لا تكون نهايته مجرد إعادة انتشار... بل إعادة ولادة.
العراق بعد العاصفة بين الفدرالية القسرية وتصدعات الشرق الأوسط الجديد.
منذ انطلاق الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، بدأ الخبراء في مراكز التفكير الدولية يرفعون تحذيراتهم من "الارتدادات الجيوسياسية" لهذه الحرب، لا سيما على الدول ذات البنية الداخلية الهشّة كالعراق. في هذا السياق، أورد "معهد ستراتفور" الأميركي للدراسات الاستخباراتية في تقرير له في مايو الماضي، أن "العراق يمثل ساحة خلفية مرشّحة بشدّة للتأثر المباشر بنتائج الحرب الإسرائيلية الإيرانية، خصوصاً في حال استهداف البنى التحتية الإيرانية النووية ودفع طهران نحو الانكماش الاستراتيجي."
وفي السياق ذاته، حذر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى من أن "الفصائل المسلحة الموالية لإيران قد تلجأ إلى إعادة التموضع داخل العراق، بما في ذلك تعزيز النفوذ على أساس مناطقي وطائفي، تمهيداً لخيار الفدرالية كأداة بقاء لا كخيار إصلاح سياسي."
أما الداخل العراقي فليس بمعزل عن هذه التوجهات. فقد أشار رئيس مجلس النواب العراقي الأسبق أسامة النجيفي في تصريح له إلى أن "البلاد تعيش حالة من التآكل الصامت، وقد تتحول الصراعات الإقليمية إلى لحظة حاسمة تُنهي النظام المركزي الحالي."
في حين أبدى مسعود بارزاني، الزعيم الكردي المعروف، استعداد الإقليم الكردي لأي تحول دستوري يعيد تعريف العلاقة مع بغداد، قائلاً: "الفدرالية لم تكن يوماً مشكلة، بل الحل الأمثل لتعددية العراق."
وما بين واقع الداخل وتحولات الخارج، يزداد وضوح سيناريو تفكك العراق إلى أقاليم، ليس بالضرورة بثلاثة فقط، بل ربما أكثر، حسب تحالفات السلاح والمصالح. إقليم كردي مستقر نسبياً، وآخر شيعي منقسم الولاءات، وثالث سني يعاني فراغ السلطة، قد تصبح جميعها أجزاء من خريطة عراقية جديدة، تولد من رحم الفوضى، وتُطبع على طاولة المفاوضات الإقليمية والدولية لاحقاً.
ويدعم هذا الطرح ما ورد في تقرير لـمجموعة الأزمات الدولية، التي قالت فيه إن "تفاقم الصراع بين إيران وإسرائيل من شأنه أن يسرّع تفكك السلطة المركزية في بغداد، ويفتح شهية اللاعبين المحليين والدوليين لإعادة هندسة العراق بما يضمن مصالحهم في مرحلة ما بعد إيران القوية."
الخاتمة:
هكذا، وبين فوهة الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وعمق التشظي العراقي، يبدو أن الفدرالية قد لا تأتي عبر القوانين ولا الاستفتاءات، بل كأمر واقع يُفرض من الخارج، وتقبل به الأطراف الداخلية كخيار اضطراري.
فهل تكون هذه الفدرالية نواة لوحدة جديدة تقوم على التعدد والعدالة، أم بداية طريق طويل نحو التفكك والتنازع؟
في ظل هذا الغموض الإقليمي، يلوح العراق كأرض انتظار، لا تعرف إن كانت مقبلة على صحوة نظام جديد... أم على سبات أقاليم لا يجمعها سوى حدود مرسومة على الورق.
لكن، وسط هذا الركام، تظل الفرصة قائمة لبناء عراق فدرالي رشيد، يداوي جراحه بالحكمة، لا بالتقسيم، ويكتب مستقبله من إرادة شعبه، لا من خرائط الآخرين.
بقلم: الأستاذ الدكتور هاشم الحمامي