تاريخ النشر - 02-06-2025 04:55 PM عدد المشاهدات 1 | عدد التعليقات 0
إيران وأمريكا: مفاوضات على حافة الهاوية

الهاشمية نيوز - بقلم: الأستاذ الدكتور هاشم الحمامي
تتجدد الأضواء على المشهد المتوتر بين طهران وواشنطن، وسط تزايد الإشارات المتناقضة حول مسار جولات التفاوض ومآلاتها. غير أن نظرة متأنية لهذه "اللعبة التفاوضية" تكشف سريعاً أنها لا تهدف إلى تسوية حقيقية للأزمة، بل إلى استراتيجية لكسب الوقت من جانب، واستعراض للإرادات من جانب آخر. فالمشهد برمّته لا يختلف عن عبور حقل ألغام سياسي، لكن ما يزيد من خطورته هو أن الطرفين يمضيان في هذا الحقل وهما معصوبا العينين، ما يجعل الانفجار مجرد مسألة وقت.
لقد أثبتت التجربة أن المفاوض الإيراني يمتلك براعة فائقة في استغلال عامل الزمن، ويؤمن بأن تبدل التوازنات الدولية قادر على إجبار واشنطن على تقديم تنازلات مؤلمة. أما عن تنازل طهران، لا سيما فيما يتعلق بالملفات السيادية كالمشروع النووي ونفوذها الإقليمي، فهو ليس وارداً بالأساس. فالنظام الإيراني لا يدخل التفاوض بهدف الوصول إلى حلول جذرية، بل لتثبيت شرعيته، وشراء مزيد من الوقت لإعادة التموضع الاستراتيجي، والاستثمار في حالة الفوضى الإقليمية القائمة.
في المقابل، تبنّت إدارة الرئيس دونالد ترامب، سياسة تصعيدية مزدوجة، تجمع بين فرض "العقوبات القصوى" والتلويح بالخيار العسكري، بالتوازي مع إرسال رسائل انفتاح مشروط. إنها مقاربة "العصا والجزرة" الدبلوماسية. إلا أن طهران لم تعد تتعامل مع هذه الإشارات بجدية تذكر، بعدما خبرت حدود "الخطوط الحمراء" الأمريكية، وأدركت أن واشنطن لا ترغب فعلياً في الانزلاق إلى مواجهة عسكرية شاملة.
لكن الواقع اليوم يختلف جذرياً: فطهران لم تحقق الحماية الاستباقية التي كانت تطمح إليها، وواشنطن لم تنجح في تحجيم الخطر الإيراني بشكل فعّال. كلا الطرفين يراوح في منطقة رمادية، يتوهم فيها أنه قادر على انتزاع تنازلات كبرى من الطرف الآخر دون أن يدفع الثمن. غير أن هذه اللعبة بلغت ذروتها، ولم تعد أدواتها التقليدية صالحة للاستمرار.
من يراقب التطورات عن كثب، يدرك أن هذه المفاوضات لن تحقق أهداف أي من الطرفين. بل على العكس، باتت تكرّس وهماً مشتركاً بأن المواجهة المباشرة لا تزال قابلة للتفادي. إلا أن المؤشرات الميدانية والسياسية تزداد وضوحاً: اللغم سينفجر أخيراً، لينهي هذه اللعبة، ويفرض على الطرفين الدخول في المواجهة التي طالما اعتقدا أنها غير واردة.
يسعى النظام الإيراني إلى امتلاك مظلة نووية تضمن بقاءه، وتمنحه هيبة الردع الإقليمي والدولي، متبنياً خطاباً مزدوجاً: سلام معلن، وعداء فعلي عبر أذرعه المسلحة المنتشرة في الإقليم. أما واشنطن، وحتى في ظل قيادة ترامب الصدامية، فتبدو عاجزة عن صياغة استراتيجية متكاملة تُجبر طهران على التراجع دون أن تغرق هي الأخرى في مستنقع حرب مفتوحة.
وفي خلفية هذا المشهد، تتحرك دوائر النفوذ العميقة في الولايات المتحدة، من "الحكومة العميقة" إلى لوبيات التأثير، التي لا تسعى بالضرورة إلى إسقاط النظام الإيراني، بل إلى تطويعه، وضبط إيقاع توسعه بما يخدم الحسابات الاستراتيجية طويلة الأمد لواشنطن وحلفائها.
خاتمة: الانفجار الحتمي
في نهاية المطاف، لم تعد هذه المفاوضات سوى قشرة دبلوماسية هشة تغطي صراعاً جوهرياً تتزايد احتمالات تحوّله إلى صدام مفتوح. الحسابات التكتيكية التي اعتمدها الطرفان طوال السنوات الماضية آخذة في الانهيار، والرهان على الوقت بدأ ينقلب إلى عبء. لقد دخلت واشنطن وطهران، بوعي أو بدونه، نفقاً مظلماً بلا مخرج تفاوضي حقيقي. وما يجري الآن لم يعد مجرد مفاوضات... بل خطوات متسارعة نحو انفجار لا رجعة فيه، ستكتب لحظته إما في صمت الحذر... أو في دويّ الصدمة.