-

كتابنا

تاريخ النشر - 10-04-2025 10:36 AM     عدد المشاهدات 1    | عدد التعليقات 0

من النهر إلى البحر: دول العالم تضع حدوداً لحلم إسرائيل التاريخي

الهاشمية نيوز - بقلم: الأستاذ الدكتور هاشم الحمامي.
منذ أن منحت بريطانيا وعدها الشهير عام 1917، فيما عُرف بـ"وعد بلفور"، بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، بدأت فصول قصة دولة وُلدت من رحم الانتداب، ونمت في حضن الصراعات، وتحولت مع العقود إلى كيان يسعى لتحقيق حلم تاريخي زرعه فكر "الصهيونية السياسية": دولة يهودية تمتد من النهر إلى البحر، تتجاوز حدود الواقع الجغرافي والتاريخي لتلامس الأسطورة.
لكن بين الحلم والتطبيق، جدار سميك من الرفض، لم يكن عربياً فحسب، بل امتد ليشمل الدول الغربية ذاتها، التي كانت ذات يوم الحاضنة الأولى لولادة إسرائيل، فإذا بها اليوم الحاجز الأشد صلابة أمام تمددها.
التوسع المستمر... وسراب الدولة الكبرى:
منذ إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، لم تتوقف محاولات التوسع الجغرافي والعسكري. من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية عام 1967، إلى سياسات الاستيطان المتسارعة، والسعي لضم أجزاء واسعة من الضفة وغور الأردن، كانت كل خطوة تشير بوضوح إلى أن "إسرائيل الكبرى" ليست فكرة طوباوية لدى النخب الصهيونية، بل مشروع يتقدم بخطى ثابتة، وإن تعثر أحياناً.
وثائق صادرة عن معاهد بحثية مثل "مركز بيغن–السادات للدراسات الاستراتيجية" في تل أبيب، تؤكد أن طيفاً واسعاً من الساسة والعسكريين الإسرائيليين لا يزال يؤمن بأن حدود إسرائيل لا تكتمل دون السيطرة الكاملة على كل ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن. لكن المجتمع الدولي يرى في هذا الحلم تهديداً حقيقياً للاستقرار في الشرق الأوسط، وانتهاكاً صارخاً للقرارات الدولية.
الغرب يتفق: لا لإسرائيل الكبرى:
المفارقة الكبرى أن هذا الحلم الذي يحمله التيار اليميني المتشدد في إسرائيل، يجد نفسه معزولاً حتى من أقرب الحلفاء. دول الاتحاد الأوروبي — فرنسا، ألمانيا، بل وحتى بريطانيا نفسها — عبرت مراراً عن رفضها لأي خطوات أحادية تهدف لتوسيع رقعة إسرائيل على حساب الدولة الفلسطينية المنشودة.
وقد قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في تصريح نُشر بموقع DW الألماني (2023): "نرفض أي إجراءات تقوض حل الدولتين، بما في ذلك التوسع الاستيطاني أو ضم الأراضي."
بل إن بريطانيا، التي منحت ذات يوم لليهود شرعية استعمار فلسطين، أصبحت من أكثر الدول تحذيراً لإسرائيل من مغبة تنفيذ أجندات "اليمين المتطرف". فتصريحات الخارجية البريطانية في أكثر من مناسبة، خاصة خلال أزمة غزة 2023، كانت حاسمة في تأكيد التزام لندن بحل الدولتين ورفض أي تغيير أحادي في وضعية الأراضي المحتلة.
الولايات المتحدة... الحليف القوي والمتحكم الصارم:
حتى الولايات المتحدة، رغم الدعم العسكري والسياسي غير المحدود لإسرائيل، لم تتبنَّ يوماً مشروع "إسرائيل الكبرى". على العكس، أكدت جميع الإدارات — بما فيها إدارة ترامب التي اعتُبرت الأكثر قرباً من نتنياهو — على ضرورة بقاء إسرائيل ضمن حدود تتيح قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وفي تطور لافت، جاءت زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن في أبريل 2025، لتشكل صفعة سياسية، حتى من حليفه السابق دونالد ترامب. وبحسب تقرير نشرته صحيفة The Washington Post ، فقد تعامل ترامب مع نتنياهو بجفاء واضح، في رسالة فُهمت عالمياً على أنها إعادة تذكير بأن واشنطن هي صاحبة القرار النهائي، حتى في شؤون تخص "أمن إسرائيل".
وقد نقلت مصادر دبلوماسية أن ترامب قال لنتنياهو صراحة: "من دون دعم أمريكا، إسرائيل لا تساوي شيئاً. ولا تتصرفوا وكأنكم أصحاب القرار الوحيد."
رسالة واضحة: حدود إسرائيل مرسومة دولياً:
الإجماع الدولي اليوم، حتى بين أكثر الحلفاء صداقة لإسرائيل، هو أن حدود الدولة العبرية يجب أن تقف عند سقف يتيح إقامة دولة للفلسطينيين ويمنع انفجاراً إقليمياً واسعاً. فلا "إسرائيل الكبرى" ستُقبل، ولا شطب فلسطين من الخارطة سيُسمح به.
الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والدول الكبرى، بل وحتى قوى إقليمية جديدة كتركيا والبرازيل والهند، بدأت ترسم ملامح توازن جديد في التعاطي مع الملف الفلسطيني، توازن يرى في تطلعات اليمين الإسرائيلي تهديداً لا يُمكن السكوت عنه.
خاتمة: من حلم إلى كابوس سياسي... وفرصة تاريخية للفلسطينيين:
ما كان حلماً صهيونياً لأرض تمتد من النهر إلى البحر، تحوّل اليوم إلى كابوس سياسي يطارد إسرائيل، ويجعلها في مواجهة مفتوحة لا مع العرب وحدهم، بل مع المجتمع الدولي بأسره.
العالم، الذي كان يوماً منصة لإعلان قيام إسرائيل، بات اليوم ساحة للحد من طموحاتها، يرسم الخطوط الحمراء بصرامة، ويُجمع على رفض أي تغيير جغرافي يُفرغ فلسطين من معناها وحدودها.
لكن وسط هذا الرفض العالمي الصريح لمشروع "إسرائيل الكبرى"، تلوح فرصة نادرة للقيادات الفلسطينية — حماس في غزة، والسلطة في الضفة — لالتقاط اللحظة التاريخية. فالموقف الدولي اليوم، الذي يعارض التوسع الإسرائيلي حتى من حلفاء تل أبيب، يمكن أن يُبنى عليه لإحياء مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة.
إن الحنكة السياسية تقتضي من الفلسطينيين أن يوحِّدوا الصفوف، ويستثمروا هذا الزخم العالمي، لا أن يمنحوا اليمين الإسرائيلي المتطرف الذريعة التي ينتظرها، بذريعة "محاربة الإرهاب"، ليشنّ حروباً غير متكافئة، ويستغل الفوضى لتحقيق الحلم الصهيوني القديم بفرض أمر واقع جديد من البحر إلى النهر.
فالعالم لا يصغي لصوت الرصاص، بل لصوت السياسة الحكيمة. ومن يعرف أن إسرائيل بلا أمريكا "لا تساوي شيئا"ً، عليه أن يعرف أيضاً أن لحظة نادرة كهذه قد لا تتكرر: لحظة يكون فيها العالم مستعداً، ولو لمرة، للإنصات إلى صوت يطالب بقيام الدولة الفلسطينية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :