-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 01-04-2024 10:37 AM     عدد المشاهدات 62    | عدد التعليقات 0

شباب ما بعد الستين

الهاشمية نيوز -
رشاد ابو داود

«تفضل يا حج، حاضر يا حج، شكراً يا حج «، قبل سنوات لم أكن أستسيغ هذا اللقب من الباعة وحارس العمارة وصاحب الدكان الجديد في الحارة. بل كنت أتشاجر معهم. ليس كرهاً في وصف «حج»، حاشى لله، بل لأنهم لم يكونوا يقصدوا المعنى الديني انما ما يوحي بكبر السن أو تلطيفاً لكلمة ختيار.
كنت في أوائل الستينيات عندما ذهبت مع ابني محمد، وكان في الثلاثينيات، أطول مني وأكثر وزناً بحوالي ثلاثين كيلو بشاربين ولحية خفيفة، عند أحد معارفه لأصلح الموبايل الذي شكى من كثرة استخدامي له حيث كنت حديث العهد بالفضاء الأزرق ووسائل التواصل. استخدم الشاب كلمة « يا حج « في أول حديثه، بلعتها ثم كررها ثانية. بدا علي الغضب ولاحظ ابني ذلك. عندما كررها للمرة الثالثة نتشت منه الموبايل وقلت لابني «يللا امشي ما بدي أصلح الموبايل».
عندها لحقني الشاب الى باب المحل بعد أن أخبره ابني أنني لا أحب هذا اللقب. قال « آسف عمي ما بقصد اللي انت فهمته « قلت له « لا بتقصد، شو شايفني ماشي على عكازة ولابس دشداشة وقاعد أقح ؟ وكنت وقتها ألبس بدلة أنيقة وقميصاً أزرق فاتح وبعض شعري القليل لم يكن كله أبيض. خلص ما بدي اصلح شي و..خرجت.
لحقني محمد وأخذ يبرر لي أن الشاب لم يكن يقصد. قلت له «يقصد وللا لا يقصد لازم يعرف كيف يخاطب الناس».
تكرر الموقف مع بائع الخضار والغاز والقهوة والمخبز. تهاوشت مرتين أو ثلاثة ثم...استسلمت!
كما قلت، ليس ترفعاً بل لأني بطبيعتي لا أحب الأرقام، لا في العمر ولا في المال، ولذلك سبب. فعندما كنت في الصف الرابع الابتدائي كان مدرس الرياضيات فظاً متجبراً. طلب مني، بل أمرني، أن أخرج الى اللوح الذي كان لونه أخضر في ذاك الزمن، وأحل مسألة حساب. وربما لخوفي منه لم أعرف أن أحلها فضربني بيده الكبيرة كفاً على خدي الأيمن ظلت علامته عدة أيام. سألني أبي عن سبب احمرار خدي فقلت له السبب. فقال : بتستاهل ليش ما عرفت تحل المسألة.
في ذلك الزمن كان مبدأ الآباء القول للمدرسين : اكسر وأنا بجبر. لا ترفيع تلقائياً ولا تهاون في التدريس ولا دروس خصوصية ولا مدارس وجامعات خاصة !
منذ ذلك الكف وأنا أكره الأرقام وأحفظ مادة الرياضيات بصماً دون فهم علماً أنني كنت متفوقاً في كل سنوات الدراسة في كل المواد، ما عدا مادة الرياضيات.
مبدأي أن السن ليس ما نبلغه من العمر بل ما نحس به، وأن الطفل فينا يطاردنا حتى آخر العمر يجب أن لا نقمعه أو نقتله فهو البريء النقي في زحمة التطاحن على العيش.
لا لا أنا لا أعزي نفسي في هذا العمر. فأن صادق في ما أقول، أتعلم كل جديد، أحلل ما يجري سياسياً ما يعلن وما لا يعلن، أحلل وأكتب. أختلط بمن يشبهوني، أجلس على المقهى مع أبنائي، ألعب مع أحفادي، ومع كل منهم أشعر أني في عمرهم.
يقال إن سر النجاح أن تحتفظ بروح الطفولة الى سن الشيخوخة أي أن لا تفقد حماسك أبداً.
فالبعض يولدون شيوخاً والبعض يموتون شباباً. وتمضي السنين ويمضي معها العمر بمقادير مكتوبة لا يعلمها الا الخالق. والاحترام أجمل ما يتركه الانسان في قلوب الآخرين.. هذا لا يعني أن نتصابى كما يفعل مشاهير ومشهورات الفن فلكل سن جماله حتى التجاعيد على الوجه فهي قصة حياتك. المهم أن نكون متصالحين مع أنفسنا، نعرف ما نريد ونختار الأنسب. ولا نكثر من العلاقات غير الضرورية كلما تقدمنا في السن.
وكما يقول دوستيوفسكي « ليس في العمر متسع لمزيد من الأشخاص الخطأ».






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :