-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 18-03-2024 10:58 AM     عدد المشاهدات 75    | عدد التعليقات 0

أرض (الخبيزة) والكرامة !

الهاشمية نيوز -
رشاد ابو داود

الآن عرفت لماذا كنت أحبها. حشائش الأرض الخضراء، الملوخية، السبانخ، الحميض، الحمصَيص، السلك، الهندبة، الحويرنة، وفي مقدمتها وأهمها..الخبيزة. تنبت في الأرض في موسم معين، كموسمنا هذا. لامكان محدداً لإقامتها، في السهول والوديان، على أطراف الشوارع في المناطق الريفية وفي قلب أي منطقة يصلها المطر في الشتوة الأولى وما يليها.
الخبيزة بالذات مجانية لمن يقطفها. ولمن لا وقت لديه فما يدفعه ثمناً لها هو أجرة من يقطفها و يرتبها ربطة ربطة و أجرة نقلها الى السوق والربح الزهيد للبائع، وكل هذا بضعة قروش.
كانت أمي تغسلها، تقطع الأطراف اليابسة وتبقي على الأوراق و الأغصان الطرية. تصفها بانتظام على لوح من الخشب « مفرمة» وبالسكين تقطعها قطعا صغيرة. تقطع بصلتين أو ثلاث، تضع الطنجرة على بابور الكاز وفيها كمية من زيت الزيتون، تقلبها وقبل ان تحمر تلقي الخبيزة في الطنجرة فتبدأ في التضاؤل بفعل النار، تغطي الطنجرة لمدة ربع ساعة يتخللها تقليب الطبخة، وعندما ترفع الغطاء للمرة الأخيرة تفوح رائحة شهية تشبه رائحة الأرض التي أنجبتها.
الفقر أبو الاختراع. فقد تفننت الأمهات في تطوير طبخة الخبيزة فأضفن لها قطعاً صغيرة جداً من العجين مع كمية من الماء وهي تغلي على النار فتصبح أكثر سيولة، يمكن أن تؤكل بالخبز «تغميس» أو بالملعقة، ان وجدت. ويفضل بالخبز لتكون أكثر بركة وتكفي الأفواه الجائعة !
مائدة عامرة، شطة حمراء مع ليمون و زيتون، فجل، بصل أخضر، مخلل لفت أو بتنجان أو حتى زهرة.و..»كله مع العافية منيح يُمَا «.
عندما كنت آتي الى بيتنا في الزرقاء في العطلة من جامعة دمشق كانت أمي تسألني « شو بتحب أطبخلك يُمَا ؟» فوراً أختار صنفاً من تلك الحشائش. وما أن يسمعني أخي الأصغر حتى يكشر و ينظر الي نظرة فيها سخرية و غضب. فقد كان هو المكلف بإحضار طبخة اليوم من دكان أبي في سوق الخضار القديم بالزرقاء. يعود حاملاً ربطات صنف الحشائش الذي طلبته مع كميات من ما كان يرسله أبي.
مرة فتح باب الحوش، وكان من الزينكو، برجله غاضباً من الحمولة و مشوار الطريق من السوق الى البيت. رمى حمولته على الأرض وقال لأمي « خذي عشان ابنك الخروف «. ضحكت رحمها الله حتى احمر وجهها الأبيض الجميل، ضحكنا كلنا حتى هو وتمتعنا بغداء شهي.
أكلت في مطاعم راقية في العديد من المدن العربية و الأوروبية لكن ظل طعم تلك الحشائش في فمي هو الأشهى. وها أنا أعود اليه وخاصة الخبيزة التي احبها بعجين أو بدون عجين.
عندما رأيت أهل غزة لا يجدون سوى الخبيزة في متناول بطونهم الخاوية بفعل حرب التجويع التي يمارسها العدوان الوحشي الصهيوني عليهم للشهر السادس، تأكدت أن الأرض لا تتخلى عن أبنائها الفقراء والمساك ين فكيف عن الصامدين المناضلين في وجه جريمة العصر و كل العصور؟!






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :