-

المجتمع والناس

تاريخ النشر - 30-01-2024 09:28 AM     عدد المشاهدات 122    | عدد التعليقات 0

سوء الظن بالآخرين .. حينما تصبح الكلمات والتصرفات في مرمى التبرير

الهاشمية نيوز - أن تسيء الظن بالآخر يعني أن تضع كلماته وتصرفاته كلها في دائرة الشك والاتهام، وهو عليه أن يبقى مضطرا للتبرير طوال الوقت مدافعا عن نفسه وحقيقة نواياه. يعيش الإنسان مرحلة صعبة حينما يفهم بشكل خاطئ وتؤخذ أقواله وأفعاله إلى معانٍ لم يقصدها وحتى لم يفكر بها، ما يجعله دائما في مرمى التبرير لأنه في موقع المتهم مهما قدم من شرح ومبررات.

العيش وسط أشخاص يشككون بكل شيء حولهم ويفهمون كلام الآخر وفقا لتحليلاتهم وأوهامهم، هو ما عانت منه مي حسين (30 عاما)، لكنها وصلت لنتيجة بأن تترك الأمور كما هي، فمن يحمل لها المحبة والود سيفهمها، أما من يضمر لها الخبث ويتصيد أخطاءها لن يغير من فكره أي تبرير، لافتة إلى أنها تصالحت مع حقيقة أن الناس يشكون حتى بالنوايا الصادقة وأن التبرير لن يغير شيئا، وخاصة إذا كان الطرف الآخر لا يحكم عقله وضميره بل خاضع لأفكار وهواجس ليست موجودة إلا في خياله.

بينما محمد (41 عاما)، يجد أن التبرير لا يكون على كل شيء ولكل الناس، في بعض المواقف قد تكون غامضة تحتاج لتوضيح، فسوء الظن، كما يقول، يصبح مرضا خطيرا عندما نرفض أن ننظر إلى النوايا الطيبة في كلام الآخر أو حتى تصرفاته، فلا نذهب بتفكيرنا إلا للمعنى السيئ.
ويبين أن كل شخص يجب أن يفترض النية الحسنة في الآخر إلى أن يثبت العكس، وبعيدا عن التوهم وأن الحكم على الأمور ليس من باب المحبة أو الكراهية بل يكون استنادا للحقائق.
يشعر الكثيرون بالخيبة، ويتساءلون: لماذا يساء فهمنا؟ هل لأننا نتصرف على طبيعتنا من دون تصنع.. أم لأننا نظن أن الجميع مثلنا فنتصرف ونحن على ثقة بأننا سنفهم بشكل صحيح وأن نيتنا الطيبة ستكون الفيصل؟
ويبين الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن سوء الظن يعود لأسباب نفسية واجتماعية يعيشها الفرد خلال حياته اليومية، فتتكون لديه صورة سلبية عن المجتمع، وبالتالي ينظر لكل موقف أو كلمة بنية سيئة، فهو لا يرى من الآخر إلا هذا الجانب، ولذلك فكل ما يصدر عن الآخر يسيء له شخصيا.
ويشير إلى أن الشخص عندما يصل إلى مرحلة الشك في كل النوايا حوله يتحول إلى شخصية انطوائية وغير متفاعلة حادة في طباعها وردود أفعالها، وهؤلاء الأشخاص يشكلون عبئا على أنفسهم وعلى من حولهم، فيرون أنهم الصواب دائما وأن كل ما يفكرون به تجاه الآخر حقيقي، وهذا ما يجعلهم غير مرنين في التعامل.
ووفق مطارنة، فإنه بالوضع الطبيعي يمكن أن نشك في بعض التصرفات والكلمات وتلتبس علينا الأمور بشرط أن تبقى ضمن الحدود، لكن المشكلة الحقيقية تكون عندما يساء الظن بكل شيء ويصبح الشك أسلوب حياة هنا يتحول إلى مرض نفسي يتوجب العلاج.
ويتسبب سوء الظن بحالة من الانزعاج وعدم الاستقرار سواء في الأسرة أو في الصداقة أو حتى في بيئة العمل، لذا لا بد من مواجهة الشخص بأن تشكيكه في كل شيء وإجبار الآخر على التبرير دائما أمر في غاية الخطورة وقد يؤدي أحيانا إلى قطع العلاقات وتشويه كل ما هو جميل.
وتنوه خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم إلى أن سوء الظن من الأمراض الفكرية والشعورية التي تفكك وتهدد العلاقات الاجتماعية وتهدد أيضاً الحياة الأسرية، فالأصل في التفاعل والتواصل الاجتماعي أن يقوم في الأساس على الثقة، فالقاعدة الأساسية تقول "أن نفرض بالأساس حسن النية تجاه الآخرين وأن ينبثق تعاملنا وسلوكنا من هذا المنطلق حتى يثبت لنا العكس بالدلائل والبرهان وليس بالشك والتخيل أو السماع للآخرين أو الحكم عليهم لنزوة أو خطأ نتيجة ظروف معينة".
والظن هو حالة سيكولوجية ومن اضطرابات الشخصية التي تدفع بعض الأشخاص لسلوكيات خاطئة نتيجة وجود الأفكار والهواجس غير المنطقية في أذهانهم عن الآخرين. وغالباً ما تدفعهم لظلم وأذية الآخرين وخسارة الكثير من علاقاتهم الاجتماعية.
وبحسب إبراهيم، فإن الظن لا يولد إلا المشاعر السلبية مثل الشك والقلق والتوتر والخوف والغضب والكره للآخرين، فيعيش الشخص صاحب الظن السيئ في دائرة التعب وعدم الاستقرار والاتزان العاطفي والاجتماعي تجاه الآخرين، ويؤثر سلباً على حياته وعلى من حوله وقد يخسر أقرب الناس له.
ومن أسباب سيطرة سوء الظن على بعض الأشخاص؛ البيئة والتربية الأسرية التي عاشوها، فغالباً ما تربوا في أسر لا تثق بالآخرين وتسيء الظن بهم وتتحدث بسوء عن الآخرين أمام أبنائهم.
لذلك، تؤكد إبراهيم أن التجارب الشخصية والصدمات العاطفية والاجتماعية قد تفقد الشخص الثقة بالآخرين بشكل مطلق، ويصبح لديهم انطباع عام سلبي عن الجميع، كذلك ضعف الشخصية أو قوة الشخصية الزائدة التي تأخذ أصحابها لحالة من عدم التوازن الفكري والشعوري تجاه الآخرين.
ومجتمعيا، ترى إبراهيم أن مرافقة رفاق السوء قد تدفع الفرد إلى مزيد من سوء الظن والشك والعدوانية تجاه الآخرين. أما آثار سوء الظن فهي كثيرة تضر بالفرد نفسه وبالمجتمع ككل، ويؤدي بصاحبه إلى فقد الكثير من علاقاته ويوصله إلى حالة من العزلة الاجتماعية، ويصبح غير مقبول أو مرغوب به في محيطه.
وبأبعاد أخرى، تلفت إبراهيم إلى أن سوء الظن يؤثر في إنجاز الفرد وعمله ودوافعه للتقدم والتطور، إذ يهدر طاقاته في ظنونه بالآخرين والبحث عن أخطائهم وتصيدها للإيقاع بهم، كذلك نشر الحقد والكراهية والغيرة المرضية والحسد وانتفاء عنصر الثقة بين الناس، وكلها من آفات النفس التي تدمر المجتمع وتجعل أفراده بعيدين عن بعضهم بعضا وتقطع أواصر المودة والرحمة بينهم.
وللتخلص من سوء الظن، تنصح إبراهيم بضرورة أن يعتاد الشخص على مهارات التفكير الإيجابي، ومحاولة التخلص من المشاعر والأفكار السلبية واستبدالها بأفكار ومشاعر إيجابية وتقوية مهارات الذكاء الاجتماعي من خلال قراءة الكتب أو مشاهدة الفيديوهات والاستعانة بمدربي المهارات الحياتية، وتغيير نمط الحياة الذي يسبب القلق والتوتر ويشحن الإنسان بالأفكار السلبية.
وأخيرا، من الأهمية بمكان البحث عن الأوساط والبيئات الاجتماعية الإيجابية التي تعطي مزيدا من الدعم والمساندة الاجتماعية، وفي حالات وجود سوء الظن المرضي، ينبغي التوجه فوراً لمختص أو طبيب نفسي لتلقي العلاجات اللازمة.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :