-

كتابنا

تاريخ النشر - 31-10-2023 10:23 AM     عدد المشاهدات 83    | عدد التعليقات 0

المثقف والكلمة الصادقة

الهاشمية نيوز - د. محمد غسان الخليلي
لا جرَمَ أن المثقف يضطلع بالدور الرئيس في كل مشكلة تهم الأمة، فما بالك إن كانت مصيبةً كبرى حلت بالأمة؛ وخصوصاً إنْ كانت الطامَّة الكبرى قد حلَّت بفلسطين المحتلة، في معركة مصيرية بين اليهود والمسلمين.
إن لفلسطين في ضمير الأمة محلا لا يشغله غيرها؛ لذا فإن معركة طوفان الأقصى الحالية قد حركت في نفوس العرب والمسلمين كوامن المشاعر الدفينة، حتى إنها أثارت مشاعر الإنسانية جمعاء ممن بقي عندهم ذرة ضمير.
والمثقف يحمل هماً كبيرا في هذا المجال؛ لأنه بَوصلة التوجيه من توعية وتحفيز لعامة الشعوب، وعليه تقع المسؤولية الكبرى في نفي الشائعات وبث روح المقاومة ونشر الأخبار الصادقة.
وهنا سأركز على دور الشاعر؛ والشعر ديوان العرب؛ وقد كان الشاعر في صدر الإسلام رديفاً في المعركة، ولقد كان حسان شاعر الرسول – صلى الله عليه وسلم- يذبُّ عن المسلمين فِرى العدو، وينافح عن الأمة، ويحفز المقاتلين في المعركة، ويسطِّر البطولات الملحمية، ويرثي الشهداء في فرائد شعره، ولقد وصفه النَقَدة بأنه كان رجل لسان لا رجل سنان؛ فكل ميسر لما خُلقَ له، وكان الرسول يحفزه على قول الشعر بقوله: «اهجُهم وروح القدس معك»؛ ومما قال حسانُ في هجاء أبي جهل:
لقَد لعنَ الرَحمَنُ جمعاً يَقودهم/ دَعِيُّ بَني شِجعٍ لحَربِ مُحَمَّدِ/ مَشومٌ لعينٌ كانَ قِدماً مُبغَّضــاً/ يُبيِّنُ فيهِ اللؤمَ مَن كان يَهتَدي/ فدلَّاهمُ في الغَيِّ حتَّـى تهافَتوا/ وكانَ مُضِلّاً أمــرَهُ غيرَ مُرشِدِ/ فأنزلَ رَبِّي لِلنَبِـــــــيّ جُنودَهُ/ وأيَّدهُ بالنَّصـــرِ في كُلِّ مَشهَدِ»
واليوم إذا كان الشعراء يهجون رأس الإجرام «نتنياهو» فهذا مماثل لما فعله حسان. وفي العصر العباسي سار الشعراء على خطى حسان؛ فهذا أبو تمام يصف انتصار المسلمين بقيادة المعتصم في معركة عمورية بقصيدة خلدها التاريخ، ويقول في مطلعها: «السيفُ أصدقُ إنباءً من الكتبِ/ في حدِّهَ الحدُّ بين الجِدِّ واللعبِ»
وهكذا سار الشعر والشعراء جنبا إلى جنب مع أحداث الأمة الجسام؛ فقد سطَروا للجيل ملاحم تُروى. وقد بيَّن أحد الباحثين (د. مأمون جرار) أثر الشعر في حروب المسلمين ضد المغول؛ لتكون أطروحته في نيل رسالته الجامعية.
وفي العصر الحديث لما حصلت نكسة سنة 1967 انبرى الشعراء لتحليل هذه الهزيمة النكراء؛ فقد كتب عمر أبو ريشة رائعته في هذا المضمار فقال في مطلعها: «أمَّتــي هل لك بين الأممِ/ منبرٌ للعلمِ أو للقلــــــمِ؟»
إلى أن قال: «رُبَّ وامعتصماهُ انطلقتْ/ مِلءَ أفواهِ الصبايـا اليُتَّمِ/ لامستْ أسماعهم لكنَّها/ لم تلامسِ نخوةَ المعتصمِ».
واليوم في هذه المعركة المصيرية بين اصهاينة والفلسطينيين في غزة وعموم فلسطين فإن المثقفين العرب -وعلى رأسهم الشعراء- حقيق عليهم أن يقودوا دفة الإعلام الصادق الواعي؛ مناصرين إخوانهم في الخنادق، وكذلك يكونون سلواناً للأسر المنكوبة ممن هُدِّمت بيوتهم وذُبِّح أطفالهم.
وكثيرة هي المواقع التي يمكن للمثقف الواعي الحق أن ينشر عليها أعماله المساندة للمعركة؛ فمنها الصحف والمجلات، ومنها المهرجانات الجماهيرية التي يقودها المثقفون من الخطباء والشعراء.
ولقد أصبح اليوم الفضاء مفتوحاً للمثقفين كي يبثُّوا شكاواهم وينشروا آراءهم؛ ففي مواقع التواصل الاجتماعي متسع لهم لكي يفضوا بما في جعبتهم من بديع الكَلِم، ويبوحوا بما في قرائحهم من روائع الخطاب الموجه المفيد. وإذا كان المدافعون اليوم عن غزة والقدس والأقصى وعموم فلسطين يذودون عنها بالدم والأرواح؛ فلا أقل من أن يجود المثقف بالكلمة الصادقة الواعية، وهي لا شك مساندة لهم أيما مساندة.
ومن أدل الأسباب التي تبرهن على عظَم دور الكلمة الهادفة في المعركة أن مواقع التواصل اليوم -وحيث يملك إدارة حركتها أعداء أمتنا وهم طبعا مناصرون للعدو الإسرائيلي- هذه المواقع تقوم بمحاربة كل من يساند القضية الفلسطينية بالحجب والحذف؛ ليكمموا الأفواه التي تصدح بالحق والحقيقة.
ويتداول الناس اليوم على مواقع التواصل خطاباً يدعو لمقاطعة المنتجات الأجنبية التي يصب بعض ريعها في صالح اقتصاد العدو الصهيوني، وهذا خطاب حري به أن ينتشر ويعمم لأن فيه مصلحةً للأمة؛ لذا فلا يبخس أحد دوره في هذه المعركة الدائرة بين الحق والباطل، فكلٌ له دوره مهما صغُر.
وختاماً، فإن كل شخص لا بد أن يقول كلمته في هذه المعركة المصيرية بين الحق والباطل؛ كلٌّ حسب موقعه وقدرته، ومن يقف متفرجا ساكناً – حتى لو كان أميَّاً- فإنما هو معول هدَّام مع العدو الغشَّام.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :