-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 03-10-2023 12:15 PM     عدد المشاهدات 177    | عدد التعليقات 0

الموت حق يقسو على الأحياء

الهاشمية نيوز -
ابراهيم عبدالمجيد القيسي

لن أتمكن من التعبير عن أثر الموت على ذوي وأهل المتوفى، فكل البشر والمخلوقات، عرفوه، وسيعرفونه يقينا، لكن رغم كل الحقائق المتعلقة به، إلا أنه أكثر الأخبار قسوة على الحيّ، الذي يفجعه خبر وفاة قريب أو عزيز على قلبه، يرتبط معه بعلاقة ما من علاقات البشر، فهذا والد المتوفى، وتلك والدته، وهؤلاء أشقاؤه وشقيقاته، وذلك زوجها وتلك زوجته، وابنها أو ابنه ..الخ علاقات الدم والقرابة، أو وشائج التعاطف والتراحم والتآلف والصحبة والرفقة المعروفة بين البشر، وحتى بين المخلوقات الأخرى.. الموت هو أوجع يقين بالنسبة للأحياء، أما لمن ركب جناح الموت، أو طواه ذلك الجناح، فهو بين يدي خالقه الرحمن الرحيم.
اسبوعان تقريبا، تدفقت فيهما أخبار الفقد، وكلها أصبحت تزلزل الفؤاد والعقل أحيانا، وذلك على الرغم من معرفتنا بأنه حق، وعلى الرغم من أنه متعلق بأشخاص من خارج حدود القرابة من الدرجات المتقدمة.. لكن رحيلهم مؤلم، ويثير في النفس والعقل خواطر متدفقة بالحزن تارة وأخرى بالتعاطف والمشاعر الأخرى..
كنت أترقب نهاية أسبوع طبيعية، أشد الرحال إلى بيت أستاذنا بطرس، أعزيه بوفاة اختنا خلود، ولم أكن اريد اللجوء للهاتف، فتاهت الأولويات بسبب الموت نفسه، حيث انشغلنا بوفاة والدة صديق ابني، العراقي، الذي يعيش مع والدته وحدهما في عمان، منذ أكثر من عقدين، يرافقها في رحلة مرضها الطويلة، التي كانت كلها مقدمات لفراقها لابنها، وحين جاء خبر وفاتها، كان الشاب وحيدا في الأردن، ووالدته متوفاة في الغرفة المجاورة في منزلهم بالشميساني، لا يعلم ماذا يفعل، فانشغلنا به جميعا، حتى حضر أهلهم من العراق وسافروا بجثمانها إلى النجف..
والأسبوع الماضي، رحل ابو محمد، العقيد المتقاعد نصار، الذي عرفناه منذ كنا أطفالا وشبابا يافعين، حين تم نقله للعمل بالجناح العسكري في جامعة مؤتة، والذي تربطه بالمرحوم والدي رابطة الخؤولة، وكان شخصا طيبا نقيا ناصعا باللطف، فانتقل إلى رحمة الله تعالى.
وهذا الصباح؛ كنت أتحدث مع أحدهم، بشيء له علاقة بعيدة بمعالي الصديق «العتيق» الرقيق، علي العايد، فإذا بمسج تصلني على هاتفي، ترسلها نقابة الصحفيين إلى أعضائها، كلما حدثت حالة وفاة لقريب ما من أقارب أحد أعضاء النقابة، فكان الخبر عن وفاة والدة الزميل ارشيد العايد، الذي تجمعه بعلي العايد رابطة قربى قوية وتجمعني به زمالة قديمة في «الدستور» وصداقة، وبعد فراغي من مكالمة جمعتني بالعايد، وضعت هاتفي بالسيارة، وكنت مشتبكا في عمل بمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وحين عدت للسيارة، وجدت بعض المكالمات الفائتة، ولم ألبث طويلا، لأرد على مكالمة جاء فيها نبأ رحيل الصديق والرفيق وابن العم سامي ابن مخاييل الزريقات!.
الحمد لله بأنني كتبت أكثر من مرة، وجئت على سيرة الصديق والجار والرفيق، شقيق مراحل كثيرة من العمر، ولن أكتب عنه رثاءا كثيرا، فهذا الرفيق الراحل من المخلوقات النادرة، التي يمكن اعتبارها ومضة ضوء في هذه الحياة، فقد كان مؤنسا ومألوفا وقريبا من القلب، ورفيقا أصيلا في كل رحلة العمر في الربة وخارجها.
كان نزيلا في مركز الحسين للسرطان، في شهر رمضان الماضي، وزرته برفقة ابني الحارث، وكانت الزيارة ومضة من نور، بسبب روحه النقية، وقبل أكثر من شهر، دخل المركز ثانية، بعد أن أخبرني شقيقه، أبو عناد، بأنه انتكس صحيا وبأعراض جديدة، ويجب أن تجري رعايته في المركز، وتحدثت يومها مع الدكتور المحترم الصديق منذر الحوارات، فدخل سامي، وزرته هناك، ومنذ شهر تقريبا وأنا أحاول أن أتذكر الجملة الوحيدة التي كان يرددها سامي ولا يقول حرفا غيرها، سوى التهديد بالخروج من المستشفى.. كان يقول عبارة من كلمتين غير مفهومتين، أعتقد أنهما تم نحتهما من أصداء موجة ألم تغشى دماغه المتعب الذي كان يغرق بنزيف.. رددهما بلا انقطاع، وقلت لأبي جاد وهو شقيقه الأصغر منهل، ولأبي عناد وهو شقيقهم الأكبر، أخبروني حين يخرج من الخطر، لأنني أريد أن أراه وأحاول أن أفهم تلك العبارة التي لا أعتبرها من كوكب الأرض كله..
لكنني لن أعرف شيئا عن تلك العبارة، فقد جاء الهاتف وسمعت نبأ رحيل سامي، بسبب انتهاء عمره المكتوب، وكل الباقي مجرد أسباب.
رحم الله سامي ابن مخاييل، وخلود ابنة بطرس، والحج نصار أبو محمد، وأم حيدر.. والرحمة لروح والدة ارشيد.
ألم الموت وقسوته على الأحياء في مجيئه مفاجئا بلا مقدمات، ورحمة الله لهم، ورحمته بذويهم، بأن يلهمهم الصبر واليقين بأن حالة الموت حقيقة، تداهم كل المخلوقات في أجل معلوم.
إنا لله وإنا إليه راجعون.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :