تاريخ النشر - 19-09-2023 10:14 AM عدد المشاهدات 236 | عدد التعليقات 0
إدمان (الفيديوهات القصيرة) .. آثار كبيرة على الصحة النفسية
الهاشمية نيوز - غيداء الخالدي «متدربة
يدمن العديد من أفراد المجتمع على مقاطع الفيديو القصيرة «الريلز» التي تتراوح بين 15 - 30 ثانية، وبغضون 5 ثوان اما يجعلك الفيديو تكمل المشاهدة او تسحب الشاشة للأسفل لمشاهدة محتوى اخر، هذا ليس زمن أغاني أم كلثوم التي تتجاوز الساعة بالطبع، حتى إنه ليس زمن أغاني التسعينيات أو أوائل الألفية الثالثة التي يتراوح زمنها بين 4 إلى 6 دقائق،انه زمن التطور الذي باتت فيه التكنولوجيا تسيطر على حياة الانسان، اذا لم يسيطر على طريقة استخدامه لها.
ويبين دكتور علم النفس في جامعة اليرموك فراس الخالدي، ان مقاطع الفيديو القصيرة يطلق البعض عليها مصطلح «الكوكايين الرقمي»، لأنها تدفع الإنسان إلى الإدمان عليها وقضاء ساعات طويلة في مشاهدتها، فهي تعمل على إطلاق هرمون الدوبامين في الدماغ وهو المعروف بهرمون السعادة فيشعر الشخص بالسعادة المؤقتة وعندما يتوقف عن مشاهدة هذه المقاطع ويعود لحياته الواقعية فإنه يشعر بالاكتئاب والقلق، مما يدفعه للعودة لمشاهدة هذه المقاطع القصيرة للتخلص من هذه المشاعر السلبية وهكذا ليتحول إلى شخص مدمن.
ونوه الخالدي الى ان هذه الفيديوهات تؤثر سلبيا على حياة الأشخاص، لأنها تجعله يعتاد «الإشباع الفوري» وهنا يتغير سلوك الإنسان دون أن ينتبه لذلك ويتوقف عن بذل جهد واهتمام بالموضوعات التي تمنحه (الإشباع طويل المدى) لرغباته مهما كانت ضرورية ومهمة في حياته؛ لأنه اعتاد على الإشباع السريع وبأقل جهد عقلي ممكن ليصبح شخصا كسولا وملولا ولا يطيق صبرا في أنشطته الحياتية المختلفة، وهذا ينعكس سلبا على قدرته الإنتاجية في المجال الأكاديمي والعملي.
ضغط على الدماغ
وبين الدكتور الخالدي أن إدمان المقاطع القصيرة يؤثر على الذاكرة، بسبب الانتقال السريع من فيديو لآخر، فيتعرض الدماغ لحجم كبير من المثيرات الحسية في وقت قصير جدا، ومع مرور الوقت تنخفض قدرة الإنسان على التركيز، فيصبح المرء عاجزا عن متابعة المقاطع الطويلة ليشعر بالملل نتيجة لتعوده على الإشباع الفوري، وهذا ينعكس على حياته الشخصية، فلا يستطيع قراءة كتاب أو إنجاز الواجبات البيتية ولا حتى الدخول في نقاش يطول حتى لو كان النقاش ضروريا أو مع أشخاص مهمين في حياته كأفراد أسرته مثلا؛ ما يؤثر سلبا على اتخاذ القرارات في حياته وعلى علاقاته الاجتماعية مع مرور الوقت.
ومن جهة أخرى فإن مشاهدة هذه المقاطع لفترات طويلة تجعل الإنسان قليل الصبر وشديد الانفعال وينقص اهتمامه بما يدور حوله من أحداث وفعاليات اجتماعية، ونظرا لأن أدمغتنا تعالج المشاهد المصورة والمتحركة بشكل أسرع من النصوص المكتوبة فإن هذه الفيديوهات تتفوق على المعلومات النصية وهذا ينعكس سلبا على عادات القراءة لدينا ويؤثر على الطلاقة اللغوية وقدرتنا على التعبير.
لماذا ندمن الفيديوهات القصيرة؟
أوضح الخالدي ان الذي يدفع الناس بمختلف أعمارهم إلى الإدمان على هذه المقاطع القصيرة، هي الجاذبية العالية التي تتمتع بها هذه المقاطع، وهذا يعود إلى الخصائص التي تم تصميمها لتحقيق هذه الجاذبية، كالتمرير اللانهائي والتشغيل التلقائي والمحتوى الموجه حسب اهتمام وعمر الشخص المتصفح وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكثير من هذه المقاطع عديمة النفع وبمحتوى سطحي غير هادف ولكنها تمنح المتصفح الإشباع الفوري والسعادة المؤقتة التي يبحث عنها للهروب من واقعه.
ويلجأ المتابعون للمقاطع القصيرة؛ لأنها تعتبر هروبا سريعا من الواقع إلى عالم افتراضي يبدو الجميع فيه سعداء ويعيشون حياة مثالية، وهذه خدعة نفسية ينخدع فيها المتابع والتي تجهد النفس، ولا تلبث وأن تنتهي فيعود الى واقعه غير راض؛ ما يجعله عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية؛ لأنها تجعله يقارن حياته بالحياة المثالية التي يقدمها صانعوا هذه الأفلام؛ ما يجعله يشعر بالنقص وينخفض تقديره لذاته وهذا المزيج من الشعور بالنقص وانخفاض تقدير الذات يفعل فعله في تشويه البناء النفسي للإنسان فيحرمه الاستقرار العاطفي ويجعله فريسة للأفكار اللاعقلانية.
وحذر الخالدي من خطورة الإدمان على المقاطع القصيرة، لأنه يبتلع وقت الإنسان دون أن ينتبه، لذلك وبعد الانتهاء يشعر بالذنب لإضاعته كل هذا الوقت، وربما يقيم نفسه بطريقة سلبية وهذا يهدد التوافق النفسي، ويحرم الإنسان من الشعور بالسلام الداخلي والشعور بالرضا عن حياته، ليدفعه للابتعاد عن الجو الأسري والعلاقات الاجتماعية كما أنه قد يصبح شخصا انفعاليا وسريع الغضب ومتسرعا في قراراته وكثير الشرود.
كيف نحمي أنفسنا؟
يشير الخالدي الى ان هذه المقاطع أسهمت في التأثير على حياة الناس صغارا وكبارا، ولو سلمنا أنها تمنح التسلية والشعور بالسعادة المؤقتة إلا أن لها من الآثار السلبية ما يدفعنا إلى التفكير بحكمة في كيفية توظيفها في حياتنا خاصة، وذلك من خلال تحديد أوقات معينة للمشاهدة، ووضع قوانين يلتزم بها الجميع كالامتناع عن استخدام الأجهزة الذكية أثناء الطعام، أو أثناء التنقل بالسيارة، أو عند اجتماع أفراد الأسرة مع بعضهم، كما أن تنظيم الوقت والمشاركة في الأنشطة داخل البيت وخارجه يقلل من الشعور بالملل الذي يدفع الشخص لتصفح الفيديوهات القصيرة وستساعد ممارسة الهوايات مثل القراءة والرياضة أيضا في ذلك، كما أن المحافظة على علاقات اجتماعية مع الأقران تسهم في ملء أوقات الفراغ وتمنحه الفرصة للاستمتاع بالوقت بعيدا عن الفيديوهات القصيرة.
تراجع كفاءة الطلبة
من جانبه، قال دكتور المناهج وأساليب التدريس في جامعة عمان العربية جهاد المومني، ان مشاهدات الفيديوهات القصيرة تأخذ وقتا طويلا من المشاهد، وخاصة طلبة الجامعات او المدارس، والتي عادة ما تكون ذات محتوى فكاهي او سخرية لا يأتي بالنفع على الطلبة، بل تتسبب بتضييع الوقت، منوها بوجود تراجع كبير في كفاءة الطلاب في التعليم سواء الماجستير او البكالوريوس بعد موجة كورونا وارتباط الطلاب بالهواتف بشكل كبير الذي انعكس على سلوكهم التعليمي بشكل سيئ، قائلا:» ان المحاضرات او الدورات التي تكون عن بعد نجد فيها الطلاب يشاهدون الفيديوهات القصيرة اثناء المحاضرة دون التركيز في محتوى المحاضرة او الاستفادة منه».
ونوه المومني بضرورة وجود مساقات تدريسية في المدارس والجامعات، لتوعية الطلاب بخطورة ادمان مشاهدة الفيديوهات القصيرة، الذي سيؤثر بشكل كبير على مستواهم وتحصيلهم الاكاديمي، وبالأخص على اتخاذ القرارات في حياتهم، فالتنوع في مشاهدة الفيديوهات بين الفكاهي والحزن والسعادة في الوقت نفسه يؤثر على الدماغ، ويسبب الشرود والانطوائية والعزلة، لنرى في الوقت الحالي الأطفال ينعزلون عن الاسرة لمشاهدة هذه الفيديوهات القصيرة التي تعدم جسور التواصل بين الافراد، وحذر من ان محتوى الفيديوهات القصيرة يحمل عادات لا تتناسب مع واقع العادات والتقاليد في المجتمع، وخاصة عند مشاهدته من قبل الشباب او الأطفال فأنه يؤثر على منظومة القيم لدى الافراد وعلى سلوكهم ويشوه العادات والتقاليد السائدة، لينتج مكانها عادات غربية جديدة لا تتناسب مع مجتمعنا وطبيعة حياتنا.