-

كتابنا

تاريخ النشر - 14-07-2023 10:50 AM     عدد المشاهدات 146    | عدد التعليقات 0

مــن ذاكـــرة الحصــن والحصيــــدة

الهاشمية نيوز - نبيل عماري
في سبعينيات القرن الماضي، وفور بداية العطلة الصيفية، كنا نذهب لمدينتي الحصن، حينها كانت عمتي تستأجر تسوية لمدة شهر في منطقة الجدة من العم منصور أسعيد عماري ابو نصار، وننام عندها، وليس ثمة أحلى من صباحات الحصن في يوم حزيراني جميل؛ من فوقنا سماء جميلة وشمس ساطعة. وأمامنا جبل الشيخ الأبيض يتلألأ في حلة من نور وندى يغازل المقاثي قادما من جبل الشيخ ومن غرب الحصن « راكسة»، حسب ما كانت عمتي تقول، وهنا تذكرت أغنية فيروز «يا جبل الشيخ يا قطر الندي» وأتذكر شجرة مشمش وارفة الظلال تغني على أفانينها العصافير. قدمت الحصادات والحصادون وبدؤوا في المارس الأول، وخرجت رائحة غبار ناعم متطاير من السنابل المحصودة، رائحة المواسم والخيرات المتلاحقة، وصرنا نرى شولات القمح « ابو خط أحمر ترمى من الحصادة بعد أن خاطها الحصادون بأبر الملاحف وخيطان المصيص، هنا واحد اثنان ثلاثة ووو فالبركات والخيرات تنسكب « «الحصاد السنة وفير» قالها والدي نشكر الله على النعم. حصاد اليوم انتهى في أرض وغدا يوم آخر « العوجا، والمقبية، وبين الحارات هذه الحصن وسنوات الحصيدة قبل أن يعمينا البلوك والأسمنت، سهول الحصن سهول القمح وقامات السمسم ومقاثي الحروش والبطيخ والباميا والفقوس وكروم العنب المنتشرة كل كرم له أسم، وراح الكرم وبقي الاسم. والحصن كانت في أيام الحصيدة بحرا من اللون الذهبي وبعض الجزر الخضراء من المقاثي والكروم. أفل النهار على المغيب وليل الحصن الجميل قام ينادينا لسهرة عند عمتي؛ سواليف وقصص وضحكات وقضامة وفستق ومخشرمة من دكانة ابوعقلة، وفقوس أول قطفة وراديو ترانزستر واغان لعبد الوهاب واسمهان، وسكن الليل لفيروز، نعم سكون جميل يتخلله صوت صرصور الليل وضوء نجوم وقمر حتى غلبنا النعاس، لنصحو على صباح غارق بالندى وغناء بلابل وزقزقة عصافير وصور جميلة لقطعان البقر والغنم والمعزى وهي سارحة في مراعيها؛ منظر ولا أجمل من صباح زاه بجلال نسور تعانق الفضاء، ورفوف حمام تحلق وتسمعنا هديلها، ونسمات غربية قادمة من البحر المتوسط ... وفطور حصناوي أبيض كصفاء قلوب من سبقونا « جبنة لبنة زبدة وبيض مسلوق» وطرقوع شنينة من شكوة نامت ليبردها الندى الصاحي، وخبز من قمح بلدي مشروح ساخن، وكاسات شاي من أبريق أزرق نيلي مطلي « شاي فرط «، نعم أنا لم أولد بالحصن ولم أعش بها، ولكن لو زرتها يوما او يومين كأنك عشت دهراً بها؛ فهي امتداد روحي ومساكن من سبقونا، فهي غلالنا وقمحنا وعزنا من ترابها وتعب فلاحوها ومن جباههم السمر خرج من لدنها مثقفون وكتاب وأطباء ومهندسون وشعراء وفنانون، نعم خرجوا من عقودها وبيوتها ومن بيادرها خرجوا ليقولوا نحن ولاد الحراثين ونفتخر.
راكسة منطقة جبلة غرب الحصن / والجدة والمقبية والعوجا وبين الحارات اسماء اراض موجودة ضمن حدود مدينة الحصن.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :