-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 11-07-2023 09:45 AM     عدد المشاهدات 154    | عدد التعليقات 0

السلع .. حصن الأدوميين المنيع والخالد

الهاشمية نيوز - عبدالرحيم العرجان


حصن يستطيع رجل واحد أن يمنع جيشا من اقتحامه، يعلوه أشهر المسلات البابلية خارج بلاد الرافدين ويعد الأهم بعد مسلة حمورابي، يطلق الأهالي على الدرب مسار ولي العهد الأمين احتفاء بزيارته ومسيره هناك. عند الغروب تجد للطفيلة سحرا خاصا حين تتداخل حمرة الشفق مع وردية جبال أدوم أرض المملكة التي سميت بلون المكان والأفق البعيد يأخذك لنهايات وادي عربة عبر أرض أجدادنا الذين ننتمي إليهم بالفكر والدم والمعرفة وقد أورثونا الأصالة والعزيمة، من قرية آثر فيها الأحفاد استحداث دور أجدادهم وأحياءها لتكون لهم بيوت استضافة وإقامة لعشاق الخلوة بعيدا عن ضوضاء المدينة، للمبيت فيها مع ضيوف عيد الأضحى المبارك من أصدقاء المسير والترحال.
عقود وقناطر حجرية حملت سقوفا دعمت بأخشاب اللزاب العتيق وسلاسل قصب وجدران كان مقياس عرضها ذراعا، بنيت من حجر وطين مخلوط بتبن لا تحتاج لوسائل تبريد بالصيف وقليل من التدفئه شتاء، والسهرة هناك حديث آخر تتابع فيها أطباق الفواكه حديثة القطاف من أشجار بساتين القرية العتيقة من تين ومشمش وتوت، المعروفة بلذة ثمارها ووفرتها، فقد كانت يوما تدفع 500 آقجه ضريبة على وفرة محاصيلها لصالح أمير لواء الكرك والشوبك العثماني. وكما للغروب بهجته لك أن تسمع زقزقة العصافير عند أول الفجر إيذانا بيوم جديد تتجمع فيه حول أحواض الماء الحجرية التي يملؤها القائمون على مركز الزوار تاركين لها الحبوب وبقايا الطعام . تشاركنا وقت الإفطار وأسفل منا الجبل _ مقصدنا
« قلعة السلع» التي أشاد وأنشد بجمالها مجير الدين محمد بن داود التركماني فقال :
دعت قلعة السّلع من قد مضى بلطف إلى حبها القاتل
وغرتهم حين أبدت لهم
محيا كبدر الدجى كامل
ولما استجابوا لها أعرضت
دلالاً وقالت إلى قابل
تفانى الرجالُ على حبها
وما يحصلون على طائل
وبعد أن تناولنا قدحا من الشاي فوق هذا المشهد سلكنا طريقنا برفقة صديق من القرية على خطى الدرب الذي سار عليه ولي عهدنا الأمين سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه عندما زار القرية وقلعة السلع في العام 2018م ، مشينا بين كروم العنب وبساتين الرمان والتين والزيتون وقد ذكر فضلها بكتاب الله الكريم وما شق بينها من قنوات رممت لدور الري نزولا من ارتفاع 1089 مترا حتى قاعدة الجبل 847 مترا قرب البئر العتيق الذي ما زال يستخدم لسقاية الماشيه بعد ما يزيد عن ألفي عام على إنشائه.
وبعد الإستراحه أخذنا طريقا اختلفت فيه التضاريس بين شقوق صخور رمليه شقتها معاول وهذبت أدراجها أزاميل حضارة تعود بإنشائها بين 1200 و 333 ق.م حسب تنقيبات جامعة مؤتة حيث أنشأ فيها الملك «امصيا» حصنه في عام 838 ق.م حسب التقدير التاريخي، ومن قاعدة الجبل أشار إلينا رفيقنا إلى مسلة تخليد الملك البابلي «نبونيد» المنقب عنها بواجهة الطود فوق مدخله الوحيد على ارتفاع 35 مترا بمساحة ستة أمتار مربعة ويظهر عبر هذه المسافه تمثال الملك وبيده صولاجان وقد اعتلاه آلهة السماء سن وشمش وعشتار بنقش نافر، وهذا تأكيد آخر على مدى أهمية الموقع ونخبويته، وأول من أشار إليها وذكرها بدراساته العلمية ابن الطفيلة د.حمد القطامين التي تعتبر الأهم والأضخم بعد مسلة الملك حمو رابي والأولى خارج بلاد الرافدين وتتضمن نقوشا وكتابات مسمارية
ولا يوجد لها نسخة مماثلة إلا بالمتحف البريطاني العريق.
أخذنا الطريق الوحيد لقمة الجبل عبر سلسلة من الأدراج المرممه المتواصلة بتعرجاتها بلا مسافات بفارق ارتفاع 120 مترا عن القاعدة المشابهة بطرازها وجيولوجيتها لدرب المذبح والدير وأم البياره في مدينة البترا، وصولا لقمة شبه مستوية إلا من قباب نُقب فيها جرون ومحاريب للعبادة وشق بينها قنوات مائية تصب في آبار يتجاوز عددها الثلاثمائة، وبرك طُليت بالملاط الأبيض الجيري الصلب كي لا يتسرب بين الشقوق أستخدمت للري والشرب والوضوء، ما زال بعضها يجمع الماء ليومنا هذا وكثير من من العمارة دون أي إضافات عليها أو انتهاكات لتبقى أدوميمه خالصة المعالم.
روعة المكان وأمانه تاخذك لاستكشاف مافيه وصعود أدراج عديدة تنتهي بمصاطب ومساحات شاسعة يشدك سلام المكان للجلوس فيه والتأمل بالمكان وسحر الطبيعة، إلا أن أغربها ذلك الدرج على صخرة وحيدة تعتليها بإحدى عشرة درجة قد تكون للخطابة بمن كان يتجمع حولها، ولشرق الجبل بمقطع منفرد آثار بناء بحجارة مشذبة وكهوف وآبار وقنوات تصب بأحواض تطل للجنوب على سيل جميلة، مكان يثير الدهشة وكيف اختاره أجدادنا بهذا التحصين الفريد وسط جبال وطرق وعرة قرب عاصمتهم بصيره العريقة المعروفة بتحصينها المنيع.
وبعد جولة استكشاف نزلنا لقاعدة الجبل حيث طلبنا أن تؤمّن سيارة للعودة لمركز الزوار بعد أن أتممنا مسارنا البالغ ثمانية كيلو مترات متوسط الصعوبة، وقد أورد الحموي بمعجم البلدان أن معنى سَلع هو أن يصعد الإنسان في الشعاب بين جبلين، ومن معانيها الأخرى الشق بالجبلين أو شجر مر ..، أما بالآرامية فتعني الصخرة وأيضا هي من أسماء مدينة البترا، وكم نأمل أن يستطيع أبناء القرية الطموحون استكمال مشاريعهم بترميم بيوت آبائهم وتشغيلهم لتكون مقصدا سياحيا والترويج لها مثل جارتها ضانا..






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :