-

كتابنا

تاريخ النشر - 17-04-2023 10:30 AM     عدد المشاهدات 363    | عدد التعليقات 0

قطيعٌ من الذئاب

الهاشمية نيوز - مهدي نصير

في الغابةِ أمشي

خلفيَ تمشي أمي وأبي

وصِغارٌ سُمرٌ كانوا يتقافزونَ خلفي كأرانبَ بريةٍ

وبقربي امرأةٌ تُشعلُ لي لفافاتِ تبغي

وتسقيني إن عطشتُ.

أتلفَّتُ حوليَ في حذرٍ

وأسعلُ من خوفي.

تسقيني بعضَ الماءِ وتربتُ على كتفي

وتذهبُ كي تقطفَ بعضَ الأعشابِ الشتوية.

وبصوتِ امرأةٍ آسرةٍ تلتفتُ إلينا وتدعونا أن نجلسَ بعضَ الوقتِ.

تذهبُ بخُطىً مُتعبةٍ

وتعودُ

تُشعلُ ناراً

وتُعدُّ لي بعضَ العشبِ وتسقيني

وتُعدُّ لأمِّي وأبي ولبنيها بعضَ الأعشابِ

وتكسرُ من صُرَّتِها بعضَ الخبزِ اليابسِ

وتُطعمُنا.

نجلسُ قليلاً

ثُمَّ نواصلُ سيرَنا الطويل.

في أوَّلِ الليلِ كانت بعضُ أشجارِ الغابةِ تعلو

وكانت بعضُ أغصانِها تتأرجحُ كشياطينَ مُصفَّدةٍ

وكانت تصفعُنا وتعوي,

قالت بصوتٍ آمرٍ: نجلسُ في تلكَ الأكمةِ حتى الفجرِ

وراحت تُشعلُ ناراً

وتُعدُّ لنا عشاءَنا من حبوبٍ كانت تُخبِّؤها

في جيوبِ ثوبِها الطويل.

في آخر الليلِ دَنَتْ

ودَعتني

نضَّتْ ثوبها ونامت بقربي

وسقتني حليبَ أنوثتِها وغفتْ.

ذئابٌ كثيراتٌ عوتْ من بعيدٍ

وكانت تدنو وتبتعد.

بعضُ الضوءِ الحارِّ

من جمراتٍ كانت في نُقرةِ النارِ

أبعدها بعضَ الوقتِ.

غفوتُ طويلاً

ونمتُ.

حينَ صحوتُ كانَ أبي وحدَهُ

كنتُ أراهُ من بعيدٍ

كان يُشعلُ لُفافتهُ ويُرنِّمُ بعضَ الحِداءِ للصغارِ كي يناموا.

رأيتُ أمِّي، كانت نائمةً،

غفوتُ ثانيةً:

حلمتُ أني ولدتُ هنا منذُ آلافِ السنين.

تلكَ المرأةُ كانت تأتيني وتغيب

ثُمَّ تأتي وتغيب

وكانت تحملُ بينَ يديها ناراً وغمام

وخبزاً وسنابلَ ناضجةً

وقطوفاً من عنبِ الشام.

تلكَ المرأةُ كانت تنامُ بقُربي

وكانت تُعدُّ الشايَ والخبزَ لي كلَّ صباح،

صوتُها الآن ياتيني من البعيدِ البعيد

انهضْ

ها هي الشمسُ تصحو وتسقي أشجارَ الغابةِ بالخُضرةِ

والضوء.

انهضْ

ها هي الكائناتُ كلُّها تصحو

وتقطفُ من غاباتِها اللوزَ والقمحَ

وموسيقى الماء.

انهضْ واغسل وجهَكَ بركوةِ ماءٍ من بَرَدى

واتبعني كي نزرعَ القمحَ واللوزَ والماءَ

في سهولكَ الجرداء.

تصرخُ بي غاضبةً: انهضْ..

وكممسوسٍ أنهضُ،

مرتبكاً وخائفاً أنهضُ،

أتلفتُ حولي وأصرخُ من خوفي: أينَكِ؟

أرفعُ صوتيَ أكثرَ: أينَكِ يا امرأةً كانت تنامُ بقُربي

وتسقيني أنوثتَها

وحينَ صحوتُ مضى صوتُها ومضتْ؟

أينَكِ الآنَ؟

فأنا دونَكِ حجرٌ يابسٌ

وخلفيَ أمِّي وأبي وصِغارٌ خُدَّجٌ

وامرأتي التي نامت من التعبِ.

هأنذا الآنَ في الغابةِ وحدي

يلتمُّ من حولي قطيعُ ذئابٍ

وقُطعانُ نخَّاسينَ يعوونَ حولي في نَهمٍ وخشوع،

هانذا يا امرأةً من طيني ومن رملي ومن نخلي،

هأنذا اركضُ في كلِّ اتجاهٍ

وأضربُ رأسيَ المُشوَّهَ بالجدران:

هأنذا وحدي

هأنذا أبكي..

هانذا يا ابتي أصرخُ:

لا نارَ عندي

ولا ماءَ عندي

ولا أصدقاء.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :