-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 14-11-2022 09:55 AM     عدد المشاهدات 249    | عدد التعليقات 0

سعد من أراح واستراح

الهاشمية نيوز -
بشار جرار

واشنطن - أتاحت لي أسرتي وطبيعة عمل والديّ ومدرستي تجربة يومي عطلة أسبوعيا، الجمعة والأحد. حرصت إدارة تراسنطة وراهبات الوردية عدم إجراء أي امتحانات السبت وتخفيف ما أمكن من عبء الواجبات المنزلية الخميس أيضا للحكمة ذاتها وهي إتاحة الفرصة للأسرة كلها وليس فقط الطلبة التنعّم والاستمتاع بالإجازة وهذا معناها الأهم فهي ليست عطلة بل فرصة أسبوعية متجددة، لا تعطيل فيها، بل إطلاق للطاقة والمشاعر الإيجابية..
بدخولي سوق العمل وحياتي في بريطانيا وأمريكا، واصلت جني بركات الإجازة الأسبوعية، واكتسبت معاني أخرى بطبيعة الاحتكاك الاجتماعي مع ثقافات عديدة، من ضمنها تخصيص يوم للاقتراب أكثر وبنوعية أفضل مع أول أولوياتنا الوجودية والحياتية: الله والأسرة..
القضية أكبر من وقت مستقطع يخصص للصلاة في دور العبادة التي يرفع فيها اسم الله رب العالمين، القضية هي النهل من معين لا ينضب من الطاقة الروحية التي هي «أم الطاقات» الطاهرة وليست فقط النظيفة، والمنتجة وليس فقط المستدامة، والتي اتضح -مخبريا وسريريا كما يقول الأطباء- أنها أصل الصحة بمفهومها الشامل والعميق. الروح فالعقل فالنفس فالجسد، سلسلة متصلة تتأثر ببعضها بعضا، فإما راحة واستراحة وإما تعب ومتاعب..
صحيح أن كثيرا من الظروف الاجتماعية-الاقتصادية تحدد طبيعة هذين اليومين إن وجدا أصلا لدى البعض، لكن اتخاذ الفرد وبخاصة رب الأسرة قرارا بالراحة، مسألة في غاية الأهمية التربوية. العطلة أو بالأصح الراحة ليست بالضرورة أن تكون يوما أو يومين أو حتى ثلاثة أيام كما قررت عدد من الحكومات والشركات في العالم، العبرة هي في كسر الروتين والسكون حتى تتحقق السكينة..
من القيم المهمة هي اتخاذ «قرار» بالفرح مهما كان بسيطا.. أبناء الطبقة المتوسطة -الشريحة الأكبر والأهم في أي مجتمع صحي واعد-، كانت تدرك هذه الأمور بالفطرة والموروث الاجتماعي. كثير من الأكلات الدسمة والحلويات عالية السعرات لم تكن متاحة إلا أسبوعيا. وكذلك اللقاءات الأسرية والجيران والأصدقاء وحتى الزملاء -خارج العمل- كانت بمثابة الواجب الأسبوعي. بهذا لم تكن لتعرف كثير من المشاكل الصحية والنفسية والاجتماعية التي نعاني منها الآن عالميا.
من الشعارات الجميلة للعولمة قبل تشويهها وانحرافها عن مسارها الإنساني، «فكّر عالميا واعمل محليا». كنا أيام المدرسة والجامعة نحرص على مأسسة العمل التطوعي شهريا خلال أحد أيام «الإجازة» وفي بعض اللهجات «الفرصة».. هي فرصة لشحذ الهمم.. هنا في واشنطن،يعمل كثير من دور العبادة على تقديم الخدمة للجميع في حرص مشدد على إبعاد السياسة وحتى الدين نفسه عن مفاهيم إنسانية مطلقة كالراحة والمحبة والخدمة والتواضع والتضحية والإيثار.. هذه ليست شعارات وما هي بمثاليات غير واقعية. العبرة في القادة الحقيقيين للمجتمع. المساق الدراسي كان اسمه في الجامعة الأردنية، «خدمة مجتمع» وقد أبدع فيه أساتذة كبار من قسم علم الاجتماع.
يا لسعد من أراح واستراح: أريح بدني ونفسي وعقلي من الروتين، فاسترح وأريح الآخرين من قضايا كثيرة صغيرة كعمل اجتماعي على تنظيف متنزه عام مثلا، وكبيرة كزيارة دار مسنين أو أيتام أو مرضى لا نعرفهم في مستشفى عام أو خاص.. أعظم راحة وأعظم فرحة هي جبر الخاطر..






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :