-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 27-06-2022 09:50 AM     عدد المشاهدات 498    | عدد التعليقات 0

أزمة تحطيم القدوات

الهاشمية نيوز -
عمر عليمات

يقول المؤرخ فرانشيسكو جوتشيارديني أحد الكتاب الكبار في عصر النهضة الإيطالية: «من يقلد الشر دائماً ما يتخطى القدوة، وعلى العكس من ذلك، من يقلد الخير دائماً ما يقصر»، وحتى نعرف حجم المصائب الأخلاقية والقيمية التي تنتظرنا مستقبلاً علينا أن نعرف من هم القدوات اليوم.
ما شهدته الأيام القليلة الماضية من جريمة وحشية ليست استثناءً عن الأيام الأخرى، والضجة التي رافقتها لا تزيد عن كونها نتاج اهتمام إعلامي كبير نظراً لتشابهها وتزامنها مع أخرى حدثت في دولة عربية، فهل هذه الجرائم أبشع من جريمة مَن قطع رأس أمه ومثل بجثتها، أو مَن حطم رأس ابنته بحجر وجلس قربها يشرب الشاي، أو ذلك الذي اقتلع عيني زوجته بيديه أمام أطفالهما، والقائمة طويلة جداً لو أردنا أن نسهب في التعداد لقضايا لا تقل وحشية وسادية؟!.
التوحش واللاإنسانية لم تُعد هي الاستثناء، بل هي السمة السائدة، والفرق الوحيد هو درجة التوحش وليس وجوده من عدمه، فحتى قطط الشوارع لم تسلم، وإلا كيف نفهم ملاحقة أطفال لا تزيد أعمارهم عن عشر سنوات لقطة لممارسة نوعاً من التعذيب على هذا الكائن الضعيف.
المشكلة تكمُن في أننا وللأسف -وهذا ما ينطبق على العالم العربي دون استثناء- روجنا دون أن نعي لقدوات ونماذج تمارس في حياتها اليومية أنواعاً مختلفة من العنف وإن كان بدرجات متفاوتة، قدمنا شخصيات مهزوزة ترى في الأخلاق عاملا من عوامل التراجع والتخلف، وترى في التحلل من أي منظومة قيمية تقدماً وانفتاحاً، وفتحنا لهم المسارح والقاعات ليبثوا ضحالتهم وانعدام مستواهم الأخلاقي، وبعدها يأتي من يتساءل لماذا هذا التراجع القيمي في مجتمعاتنا؟!.
العنف يبدأ من مقولة «أنت مش عارف مع مين تحكي» وينتهي بجز الرؤوس، السادية تبدأ من فنان يتراقص على المسرح بطريقة أقرب إلى الاختلال العقلي وينتهي بإزهاق روح دون أن يرف للقاتل جفن، التوحش يبدأ من تضخيم «المُسُوخ» وتقزيم العلماء والأدباء والمعلمين، العنف ليس حالة تأتي من فراغ بل نتاج ثقافة منتشرة ترى أن القوي هو صاحب الحق والضعيف لا يحميه قانون.
لتعرفوا مدى التوحش الذي أصبحنا عليه أذهبوا إلى دور السينما لتعرفوا أكثر الأفلام مشاهدة، فلن تجدوا سوى أفلام الرعب والجنس والمخدرات والقتل أما الأفلام الأخرى فلا عزاء لها، لتعرفوا مستوى الذوق العام الذي وصلنا إليه فلتذهبوا إلى الأمسيات الغنائية الهابطة لتجدوا الآلاف فيما الأمسيات التي يحييها فنان لديه رقي في كلماته وموسيقاه يغني للمدرجات الفارغة، لتعرفوا سبب هذا، أسألوا أنفسكم مَن ضخم القدوات السيئة و حجَّم القدوات الحسنة، عندها ستعرفون سبب كل هذا العنف والتوحش.
باختصار ما فعلنا ونفعله كل يوم هو قتل للقدوات الحسنة التي تنشر العلم والقيم وروح التحدي الإيجابي وجعلناهم في مؤخرة الركب، وضخمنا شخصيات تبث سمومها وأخلاقياتها الفاسدة، والمصيبة أن هؤلاء مَن يكرم ويُقدم.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :