-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 16-04-2019 10:30 AM     عدد المشاهدات 446    | عدد التعليقات 0

وجع أسنان

الهاشمية نيوز -
فارس الحباشنة

في فمي ضرس مسوس، وكان يحتال على تعذيبي فيسكن متربصا نهارا ويستقيظ مضطربا بالاوجاع في هدوء الليل عندما يكون أطباء الأسنان نائمين و الصيدليات مقفلة .
نفذ صبري و اقلع حالي من شدة الالم، ذهبت الى أحد الأطباء وقلت له _انزع ضرسا خبيثا يحرمني لذة الرقاد و يحول سكينة ليالي الى الانين والضجيج .
فهز الطبيب رأسه قائلا : من الغباوة أن تستأصل الضرس أذا كان ممكنا تطبيبه .
ثم أخذ يحفر جوانب الضرس وينظف زواياه ويتفنن بتطهيره من العلة والخراب . ولما وثق أنه صار ضرسا خاليا من السوس حشا ثقوبه بفضة خالصة ثم قال -مفاخرا لقد اصبح ضرسك العليل أشد وأصلب من أضراسك الصحيحة .
صدقت ما قال وملأت حفنته دنانير وذهبت فرحا .
ولكن لم تمر بضعة أيام حتى عاد الضرس المشؤوم الى تعذيبي و إبدال أنغام روحي بحشرجة وعويل الهاوية.
فذهبت إلى طبيب آخر وقلت له بصوت يعانقه الحزم -ألا فاخلعه ضرسا مذهبا شريرا، ولا تعترض ‹فمن يأكل العصا ليس كمن يعدها ‹.
نزع الطبيب الضرس و كانت ساعة مليئة بالاوجاع ولكنها ساعة مباركة بالخلاص .
وقد قال لي الطبيب بعد أن استأصل الضرس وتفحصه جيدا -لقد فعلت حسنا، فالعلة قد تحكمت بأصول ضرسك هذا حتى لم يبقى رجاء
بشفائه .
نمت مرتاحا تلك الليلة، ولازال أشعر بالراحة، الحمد لله للخلع والاستئصال .
في فم البشر ‹الناس› أضراس مسوسة وقد نخرتها العلة حتى بلغت عظم الفك، غير أنها لا تستأصل لترتاح من أوجاعها بل تكتفي بتمريضها وتنظيف خارجها وتلميعها وملء ثقوبها بالذهب اللماع .
وما أكثر الاطباء الذين يداوون أضراس الانسانية بالطلاء الجميل والمواد البراقة، وما أكثر المرضى يستسلمون لمشيئة أولئك الاطباء المصلحين فيتوجعون ويسقمون ثم يموتون بعلتهم مخدوعين .
والأمة التي تعتل ثم تموت ولا تبعث ثانية لتظهر للملأ أسباب الامراض المعنوية وماهية الداء الاجتماعي التي تؤول بالامم للانقراض والعدم والاندثار .
الاردن لربما من أكثر الاوطان مبلية بأضراس مسوسة ومعطوبة سوداء قذرة رائحتها كريهة، وقد حاول الاطباء تطهيرها وحشوها بالمينا وإلباس خارجها رقوق ذهب ولكنها لا تشفى ولن تشفى بغير الاستئصال .
والبلد الذي تكون أضراسه معتلة تكون معدتها ضعيفة، وكم بلد على الخريطة ذهب شهيدا لعسر الهضم .
ومن شاء أن يرى أضراس الاردن المسوسة فليذهب الى منازل حيث التصنع والكلفة و الرياء والخداع والنفاق . ولبيوت الفقراء والمهمشين حيث الخوف.
ومن بعد الى اصحاب الانامل الناعمة والالات الدقيقة والرقيقة والمساحيق المخدرة والخادعة، وما يصرفون من أيام لملء ثقوب الأضراس المسموسة والمعطوبة وتطهير زواياها المعتلة .
وأذا ما أردت محادثتهم، فهم النبهاء والبلغاء والفصحاء .ففي حديثهم نغمة أسمى من أناشيد حجر الرحى وأنبل اغاني الضفادع في ليالي تموز .
ولكن إذا ما قيل لهم أن الاردنيين يقضمون قوت الحياة بأضراس مسوسة وأن كل لقمة تؤكل تمتزج بلعاب مسمم وانه قد نتج عن ذلك مرض في امعائها .
وإذا قيل لهم عن الاستئصال . يضحكون منه لأنه لم يدرس طب الأسنان الشريف.




وسوم: #وجع


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :