-

المجتمع والناس

تاريخ النشر - 01-10-2018 10:11 AM     عدد المشاهدات 2745    | عدد التعليقات 0

(المنقلة) .. لعبة شعبية تحيي ذاكرة كبار السن

الهاشمية نيوز - عند الساعة السادسة من مساء كل يوم.. يجتمع مجموعة من كبار السن بلباسهم التقليدي في منطقة "الساحة" بالسلط، يتبارون فيما بينهم بلعبة "المنقلة" التراثية التي تحاكي عقوداً من جلسات الترفيه والمبارزة بين رجالات المدينة. تلك اللعبة ما تزال حاضرة عند الرجال؛ إذ كانوا قد توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، واشتهرت خلال الحكم العثماني نهايات القرن قبل الماضي.
ونظراً لما تمثله تلك اللعبة من محاكاة للتراث السلطي؛ تنظم الجهات المهتمة في مدينة السلط سنوياً "بطولة المنقلة"، والتي انطلقت أول من أمس في نسختها السادسة عشرة بتنظيم من الجمعية الأردنية للمحافظة على التراث، التي تحتفي بكل ما هو قديم وشعبي في المدينة.
وشهدت منطقة "الساحة" في وسط مدينة السلط، انطلاق فعاليات البطولة التي حضرها المهتمون بهذه اللعبة، وأغلبهم من كبار السن الذين كانوا اللاعبين الأبرز بالبطولة؛ حيث تخللها تنظيم مسابقات للحضور، وتوزيع الجوائز عليهم وتكريمهم من قبل مدير الثقافة في محافظة البلقاء جلال أبو طالب.
أبو طالب، قال في كلمته "إن التراث هو أحد أهم المصادر المادية للشعوب ويعبر عن النشاط الإنساني الثقافي والاجتماعي، من مصادر المعلومات التي تسهم في إعطائنا القدرة على استعادة ما فقد منها، كما أنه يعد من مصادر الإحساس بالجمال وربط الماضي بالحاضر".
أبو طالب أشاد بدور الجمعية في تنظيم بطولة "المنقلة" للسنة السادسة عشرة على التوالي، والتي دخلت السلط أواخر القرن التاسع عشر عبر التجار القادمين من تركيا والشام، وباتت جزءا من التراث الشعبي السلطي الذي يسعى سكان السلط للمحافظة عليه لأنه أسس لأجواء من الألفة والترابط بين كبار رجال السلط.
علي عبد خريسات (79 عاماً)، الذي جاء مشاركاً ومدرباً بهذه المسابقة، يبين أن "المنقلة" تعبر عن تراث السلط، وهو يزاول تلك اللعبة منذ ما يقارب السبعين عاماً.
يقول لـ"الغد" إنه بدأ يلعبها منذ أن كان عمره 8 سنوات، وتعلمها من الكبار في ذلك الوقت حتى أصبحت جزءا من يومياته ويمارسها يومياً في أماكن جلوسه مع أصدقائه الذين يتبادل معهم الأحاديث والذكريات الجميلة.
وعلى الرغم من التطور الذي طال لعبة "المنقلة" من حيث الشكل وتحولها لخشبية، يوضح خريسات أنهم في السابق كانوا يقومون بعمل أربع عشرة حفرة، في الصخور الرملية، وإحضار 98 حجراً من حجار البحر والسيول المائية، كونها ناعمة الملمس ومناسبة للعب.
يقول خريسات "في السابق كنا نوصي عليها من سورية حتى أصبحت تصنع في الأردن"، متمنيا لو أن الأجيال الجديدة تتدرب على ممارسة هذه اللعبة التي تساعد العقل على التفكير والتحليل، وهي قريبة من لعبة الشطرنج وتحتاج لتفكير عميق، وهو ما قام به بالفعل خريسات عندما قام بتدريب مجموعة من طالبات المدارس على أصول اللعبة.
ويعتقد خريسات أن الفتيات استمتعن "لحظياً" بتلك اللعبة، لأنها لا تستهوي جيل اليوم، خصوصا مع طغيان التكنولوجيا والهواتف الذكية. ويسرد بالحديث قائلاً "عندما قمت بتدريب أربع فتيات على اللعبة صادرت منهن هواتفهن حتى لا ينشغلن بها ويشغلن تفكيرهن عن أصول لعبة المنقلة".
خطوات اللعبة تتمثل في وضع الخشبة مستطيلة الشكل المكونة من أربع عشرة حفرة، وفي كل صف سبع حفر، ويتم وضع ما لا يقل عن 25 حصاة في الحفرة الواحدة، يتبارى فيها لاعبان، ويوضع في كل حفرة 7 حبات، ومن خلال القرعة يتم تحديد من يبدأ باللعب. ويبدأ الأول بأخذ الحبات من إحدى الحفر وتوزيعها في حفرة عكس عقارب الساعة، فإذا انتهى من الحفر التي تخصه ينتقل إلى حفر زميله.
وعندما ينتهي من توزيع حبات حفرته، يبدأ اللاعب الثاني اللعب بالطريقة نفسها، مع الاستمرار في اللعب يصبح عدد الحبات في كل حفرة متفاوتاً في العدد؛ حيث يقوم كل لاعب أثناء لعب زميله بعد الحبات في كل حفرة من الحفر التي تخصه لتوزيعها بشكل مناسب. وبعملية حسابية بسيطة يستطيع معرفة الحفر التي سيبدأ بتوزيع حباتها من أجل الربح.
الستيني زاهي حداد تعلم "المنقلة" من خلال تواجده اليومي مع كبار السن الذين يلعبونها أمام محله التجاري، ومن خلال متابعته واهتمامه أصبح أحد هؤلاء اللاعبين، ومنذ ما يزيد على عشرين عاماً يرتاد جلسات "المنقلة" ويعتبرها من الألعاب التي يجب المحافظة عليها بعد أن أصبحت من تراث المدينة ورفيقة لأجيال متلاحقة.
ونظراً لعدم وجود نسبة كبيرة من الشباب يمارسون هذ اللعبة، قامت مديرية الثقافة في السلط بتكريم صغار السن الذين تدربوا على "المنقلة"، وأصبحوا يتنافسون فيها مع كبار السن خلال البطولة، ومنهم عاصم ريالات (18 عاما) الذي عبر عن فرحته بمعرفته أصول اللعبة، ويفوز أحياناً على عدد من كبار السن ذوي الخبرة العتيقة بأصولها.
وبين عاصم أنه تعلم اللعبة من كبار السن المحيطين به، عندما كان يراقبهم يلعبونها، ويتنافسون فيما بينهم بروح أخوية ورياضية جميلة، يتخللها الحديث والضحك، فيجلس معهم لساعات حتى يتعلمها، لافتا إلى أنها تعتمد على الذكاء والحساب والفطنة وتساعد على صفاء الذهن وقوة الاستيعاب بعيداً عن الألعاب الإلكترونية الأخرى.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :