تاريخ النشر - 14-05-2024 10:08 AM عدد المشاهدات 29 | عدد التعليقات 0
في غزة .. وهم الحقوق!
الهاشمية نيوز -
نيفين عبدالهادي
على تراب غزة تحطّمت كل مفاهيم ومعايير حقوق الإنسان التي طالما سمعنا بها وتحدثت بها ألسن وعلت بها حناجر، تغيب اليوم بشكل كامل عن كل ما تشهده مدينة غزة منذ الثمانية أشهر، ليكون واقع الحال وهم حقوق الإنسان والعدالة وكل ما قيل بهذا الشأن، بل وكلّ ما انتقدت به تقارير وصنّفت دولا وشعوبا بذات الشأن، فكل ما قيل ويقال وهم!.
خلال الساعات الماضية، وإن لم نسع للبحث قبل ثمانية أشهر، سنجد خلال ساعات انتهاكات لحقوق الإنسان وتحديدا الأطفال والنساء والأسرى من الأبرياء، بحجم الانتهاكات التي شهدتها البشرية على مدى مئات السنين، جرائم ترتكب يوميا هي الأبشع بتاريخ الحروب، دون أن نسمع صوتا واحدا من تلك التي سمعناها عبر سنين، بل واتهمت غيرها بتدني مستوى الحريات وحقوق الإنسان، هي اليوم غائبة تماما، تغطّ في سبات «متعمّد»، لنصل لقناعة أن كل ما قيل مجرد شعارات وحتى هذه الشعارات تخصّ شعوبا دون أخرى.
كشفت الحرب على أهلنا في غزة عن الوجه الحقيقي لواقع حقوق الإنسان عند بعض إن لم يكن الأغلبية ممن نصّبوا أنفسهم حراسا على هذه الحقوق ، وتبدو الصورة واضحة أن كل هذا الواقع وهم، وكلمات وشعارات وخطابات خالية من الحقيقة، وبعيدة كل البُعد عن التطبيق العملي، لأن ما يحدث في غزة أكاد أُجزم أن كافة مدارس حقوق الإنسان لم تصل لخطورته وبشاعته وعنفه، ليفشلوا في هذه المواجهة، بل لتتعرى أجنداتهم وكلماتهم، وتبدو سرابا بحرفيّة التطبيق.
بالأمس فقط، نتحدث عن جرائم خطيرة، فقد استشهد أحد موظفي الأمم المتحدة قرب المستشفى الأوروبي بغزة، واعتدى المستوطنون على قوافل المساعدات المتجهة إلى قطاع غزة، واستشهاد عدد من الأسرى واحتجاز جثامينهم وعدم تسليمها لذويهم، ونزوح آلاف الغزيين إلى «لا مكان ولا وجهة»، واستشهاد عشرات الأطفال جوعا وعطشا، كلها انتهاكات بحجم جرائم في غزة بيوم واحد، ليقابل كل هذا العنف والجرائم، غياب وصمت من علت أصواتهم بانتقاد غيرهم فيما يخص حقوق الإنسان وكأن في غزة السائد هذه الانتهاكات والجرائم وحماية حقوق الإنسان هي الاستثناء!.
لم نسمع وسط هذا الضجيج من الرصاص والجرائم سوى بعض أصوات، أكثرها علوّا صوت الأردن بسعي مستمر لم ولن يتوقف للتوصل لوقف لإطلاق النار في قطاع غزة، بما يضمن حماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية الكافية والمستدامة لجميع أنحاء القطاع، ووقف الهجوم العسكري على رفح، ونداءات على كافة المحافل الدولية بضرورة حماية الحق الفلسطيني في حياة آمنة، وفي دولة مستقلة وفقا للشرعية الدولية، دون ذلك، نجد أن المشهد تملأه صرخات الأطفال والنساء وصوت الصواريخ، بغياب كامل لأي صوت من حرّاس حقوق الإنسان أو تحريك ساكن مواقفهم!.
كثيرون يرون أن منظومة حقوق الإنسان اليوم أمام مأزق كبير، تحتاج جهودا جبّارة لإعادة الثقة بها، بعدما كشفت حقيقتها الحرب على أهلنا في غزة، وتحتاج لذلك سنين عديدة، والأهم فإن معاييرها وتصنيفاتها لم تعد تتمتع بأي مصداقية، وعليها أن تعيد أبجدياتها وتستفيد من شجاعة من دافع عن غزة وأهلها وواجه الصعاب لإيصال العون والمساعدات لأهلنا في غزة وأولهم الأردن، فمثله من يحق له الحديث عن حقوق الإنسان.