-

كتابنا

تاريخ النشر - 16-04-2024 09:46 AM     عدد المشاهدات 46    | عدد التعليقات 0

السلط القديمة .. إرث حضاري لا متناهٍ

الهاشمية نيوز - أسماء اسماعيل
مدينة السلط القديمة تمتعت بأهمية مركزية في مختلف العصور
مدينة السلط الجميلة، تلك المتربعة على تلال البلقاء الثلاثة، الزاهرة بخضرتها وبتراثها العميق. حلقة الوصل بين المدن، ومستراح المسافرين، وملجأ المرتحلين، هذه المدينة بأدراجها وحاراتها الضيقة، تفتح ذراعيها ترحابًا لمن يزورها ويسكنها. اسمها مأخوذ من الكلمة اليونانية (سالتوس) الذي يعني الغابة، وهي فعلا عامرة بالخضرة والخير والتربة الخصبة. ومن أهميتها صنفتها اليونيسكو كإحدى مدن التراث العالمي 2021.
نظرًا للطابع المضياف لشعب السلط وشرق الأردن كلها؛ تزخر السلط ببيوت الضيافة، أو كما تسمى «المضافات» أو «الدواوين».
السلط القديمة العاصمة الأولى
لطالما تمتعت السلط بأهمية مركزية في مختلف العصور، نظرًا لموقعها المتوسط الذي يعد ملتقى الطرق التجارية بين ضفتي نهر الأردن. وكانت أكثر فتراتها ازدهارًا في آخر أيام الحكم العثماني في نهاية القرن الـ19 ومطلع القرن الـ20، وقد أعلنت كعاصمة لإمارة شرق الأردن إبان الثورة العربية الكبرى، لكن ذلك لم يدم سوى 3 أشهر، انتقلت العاصمة بعدها إلى عمان.
ورغم ذلك، فهي تظل المدينة البهية، أجمل مدن الضفة الشرقية وأعرقها، فقد تعاقب على حكمها العديد من الحضارات كالرومان والبيزنطيون ومن ثم في الحكم الإسلامي برزت أهميتها في عهد المماليك والعثمانيين، وكل حضارة منها تركت أثرًا فيها وساهمت في تشكيل هذه الفسيفساء الجميلة ببصمات مختلفة حسب كل حضارة وأثرها.. وفيما يأتي نقتفي هذه الآثار ونتلمسها لعلنا نبعث عنفوان التاريخ منها:
يشتمل المركز الحضري للموقع على ما يقرب من 650 مبنى تاريخيا مهما يعرض مزيجًا من أساليب الفن الأوروبي الحديث والاستعماري الجديد جنبًا إلى جنب مع الطابع التقليدي المحلي للمدينة.
في أواخر العهد العثماني بلغ ازدهار المدينة أوجه، وكان اللاعب الأكبر في ذلك استقرار التجار من نابلس وسوريا ولبنان الذين جمعوا ثرواتهم من التجارة والمصارف والزراعة. ولذلك اجتذب هذا الازدهار الحرفيين المهرة من مختلف أنحاء المنطقة الذين حولوا السلط من طابعها الريفي المتواضع إلى مدينة مزدهرة ذات تخطيط مميز وهندسة معمارية تتميز بالمباني العامة الكبيرة والمساكن العائلية المشيدة بالحجر الجيري الأصفر المحلي.
الطراز المعماري للبيوت والحارات الضيقة التي تمتد بأدراج لترتبط بالشوارع الرئيسية يلفت الانتباه إلى التسامح الديني الذي يعيش أهلها في كنفه، فكما تجد المساجد تجد الكنائس المربوطة بالطرق والحوارات الضيقة نفسها دون فواصل في البنيان ولا أسوار.
نظرًا للطابع المضياف لشعب السلط وشرق الأردن كلها؛ تزخر السلط ببيوت الضيافة، أو كما تسمى «المضافات» أو «الدواوين».
تزخر السلط بالمباني التاريخية والتراثية، التي تعكس طابعها المميز كخليط من عدة حضارات أبرز المعالم في مدينة السلط القديمة.
ورد ذكر السلط في تاريخ ابن عساكر الدمشقي، وتنقل كتب التاريخ أن المدينة كانت تابعة إداريًا لبصرى الشام، ثم للبتراء خلال الحكم البيزنطي، وسرعان ما كانت من المدن التي احتلها الصليبيون وفرضوا على أهلها دفع الضرائب، وبعد الصليبيين احتلها المغول ودمروا قلعتها، وأمر الظاهر بيبرس بترميمها، لكنها اندثرت ولم يبق منها إلا بعض الأساسات بسبب الدمار الذي لحقها على يد العثمانيين في منتصف القرن الـ19، كما اكتشفت قبور رومانية قريبة من المدينة. تزخر السلط بالمباني التاريخية والتراثية، التي تعكس طابعها المميز كخليط من عدة حضارات وخلفيات دينية عاشت برغد وسلام طوال العصور، ومن أبرز معالم المدينة المميزة لها ما يلي:
متحف السلط الأثري
يقع متحف آثار السلط في مركز السلط التجاري الجديد. وقد افتتح في عام 1989 ويحتوي على قاعتي عرض؛ تحتوي قاعة المعرض الرئيسية على مجموعة فخارية من طليلات غسول تعود إلى العصر النحاسي (4500-3300 ق.م). كما يعرض المتحف أيضًا عناصر من العصر البرونزي المبكر (3300-2200 قبل الميلاد)، وفترات العصر البرونزي الأوسط والمتأخر (2200-1200 ق.م)، والعصر الحديدي (1200-539 ق.م)، والفترة البيزنطية (324-636 م)، والعصر الأيوبي/المملوكي (1174-1516م).
وهناك متحف محلي آخر هو متحف بيت أبو جابر، يعكس التقاليد الفريدة والثقافة المحلية من خلال قسميه اللذين يعرضان حياة البداوة والتمدن.
مقام يوشع
يقع مقام النبي يوشع داخل مسجد غربي مدينة السلط، على تلة تحمل اسمه، وكان تلميذ النبي موسى ثم خليفته فيما بعد، وحسب المرويات الدينية فقد قاد النبي يوشع جيش أسباط بني إسرائيل لفتح أرض فلسطين.
خربة أيوب
جنوب غرب السلط في منطقة تعرف بخربة أيوب أُسس بناء قديم مسمى ومنسوب للنبي أيوب الذي وردت قصته في القرآن الكريم. وتمثل قصة هذا النبي مرجعًا دينيا في الصبر وتحمل الابتلاءات والشدائد والتحلي بالإيمان، ولقاء صبره أنعم الله عليه بالبركات. وهذه الخربة كمعلم ديني يذكر الناس بهذه المعاني الدينية. والخربة تضم مسجدًا باسم النبي أيوب، موجود ضمن التلة المسماة بالخربة فيها أساسات لأبنية أثرية من بقايا الأحجار والأسوار التي يرجح أنها تعود إلى العصر المملوكي.
درب الوئام الديني
إن مدينة السلط، التي تنعكس في المساجد والكنائس القديمة التي تعيش معًا بسلام، هي مثال حي على الانسجام والتماسك بين الأديان داخل حي واحد. وتعكس الهندسة المعمارية والبيوت القديمة الكتابات والرموز الدينية المشتركة بين العائلات المسلمة والمسيحية.
المعالم الدينية
مسجد السلط الكبير: يعد هذا المسجد، الذي بني في أواخر العصر العباسي، أقدم مسجد في المدينة وكان بمثابة مركز لعلماء الدين من جميع أنحاء العالم.
تضم السلط إحدى أشهر الكنائس في الأردن، كنيسة القديس جاورجيوس الأرثوذكسية/كنيسة الخضر. تم بناؤها عام 1682 في كهف قديم، وهي واحدة من أقدم الكنائس في المنطقة. يعتقد الكثير من الناس أن القديس جاورجيوس ظهر لراعي أغنام داخل كهف وطلب منه ومن أهل القرية بناء كنيسة في الموقع المحدد. كما يحظى القديس جاورجيوس باحترام كبير من قبل المسلمين والمسيحيين على حد سواء، في 2004 قرر المجتمع المحلي تجديد الموقع المقدس ليظل مفتوحًا للزوار والسياح كل يوم. كماتضم مدينة السلط القديمة كنيسة رقاد السيدة العذراء مريم الأرثوذكسية الجميلة، والتي يعود تاريخها إلى عام 1914.
مدرسة السلط الثانوية
تأسست مدرسة السلط الثانوية عام 1923، وبذلك تكون أول وأقدم مدرسة في الأردن ولقبت بأم المدارس، وتخرج من هذه المدرسة العديد من الشخصيات والقيادات السياسية في الأردن. مثل عبد الله التل بطل معركة القدس، وحابس المجالي، وزير دفاع، ورئيس أركان القوات المسلحة سابقاً. وكان من خريجيها 19 رئيسًا للوزراء
شارع الحمّام
يعد شارع الحمّام أقدم وأنشط شارع في مدينة السلط، سمي على اسم حمام تركي وجد في أواخر ثلاثينيات القرن الـ20، ويدور شارع المشاة الضيق حول سفح التل بين العمارة الحجرية العثمانية التقليدية التي يبلغ عمرها 150 عامًا. ويمتد حوالي 280 مترًا وفيه طابقان، تحتل المحال التجارية والدكاكين الطابق الأرضي، بينما كانت الطوابق العلوية مخصصة للمساكن. ومن مميزاته وجود القناطر والجدران السميكة والنوافذ المقوّسة.
شارع الحمام في مدينة السلط
كانت هذه رحلة في مدينة السلط، العاصمة الأولى لإمارة شرق الأردن وقت الانتداب، والمدينة الحبيبة والقريبة لكل من يزورها ويقف متأملًا في جمالها الطبيعي والمعماري، فلا بد للزائر أن يمتع ناظريه بالمدينة القديمة وأن يمشي في حاراتها ويصعد أدراجها ويتنقل بين البيوت المليئة بالكروم والتين، وكما أن عليه أن لا يغفل زيارة المتاحف والمعالم الدينية، فعليه كذلك ألا يفوّت على نفسه أن يستمتع بتناول الطعام فيها، وأن يسعد بحسن ضيافة أهلها، وإذا أتيح له أن يبقى حتى نهاية النهار، فإن مراقبة مشهد غروب الشمس من مكان عليّ، فإن انكسار نور الشمس الواهن لحظة الغروب إلى مئة لون ولون سزيد في قلبه نبضة، نبضة لا تكون إلا لهذه المدينة وكل ما فيها.. نبضة لا تُستعاد في القلب إلا في الرجوع إلى السلط، أو كلما عنّت على البال ذكراها.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :