-

كتابنا

تاريخ النشر - 16-04-2024 09:45 AM     عدد المشاهدات 37    | عدد التعليقات 0

كيف غيرت حرب غزة من نظرتنا للحياة؟

الهاشمية نيوز - ياسمين الخطيب
لا شك أننا تغيرنا كثيرا، نضجنا وهرمنا خلال السبعة أشهر الماضية، أكثر من نصف عام وأشقاء لنا ليسوا بعيدين عنا بل بجوارنا تفصلهم عنا حواجز فرضها العدو المحتل، يقتلون ويذلون ويقهرون ويفقدون أغلى ما في الوجود، وتراهم يحمدون الله على ما هم عليه متمنين الشهادة راجين أن ينالوها من الله تعالى.
لله دركم يا أهل غزة، أي قلب تملكون حتى استطعتم تحمل كل هذا المصاب، فالمصاب هذه المرة جلل وفاق كل التصورات وتعدى كل الخطوط، شهدتم حربًا لم تعيشوها من قبل، تركتم منازلكم نزحتم في اليوم أكثر مرة، فقدتم فلذات أكبادكم وأعز الأحباب، قطعتم مسافات وواجهتكم صعوبات ومشقة من أجل الحصول على رغيف الخبز، البعض كان يستشهد خلال رحلة الحصول على رغيف الخبز والبعض الآخر كان يعود بالخبز ولا يجد بيته ولا عائلته نتيجة قصفٍ من عدوٍّ لا يرحم.
أي عقلٍ بشريٍّ يتحمل كل هذا الألم، بعضكم قال بعد خسارته لعائلته: :معلش وآخر مش خسارة بفلسطين»، وآخر طبطب على مكلومٍ ووضع ملح على جرحه وطلب منه بعدم البكاء وقال له:» كلنا مشروع شهادة نحن نعيش على أرض رباط ومش خسارة بربنا يلي خلقنا»، وجدّ ودّع أحفاده وفتح جفن حفيدته وقبل عينها واحتفظ بحلقها للذكرى، واكتفى بوصف «هذه روح الرّوح» ومؤخرا سمعنا «الله يسّهل عليكم»، كان لتلك العبارات الوقع الأكبر والمؤلم على مسامعنا وغيرهم كثيرون لكن كانت تلك العبارات الأشد ألمًا عند سماعها، لكن جميعهم حمدوا الله على مصابهم وعلى فقدهم كأنهم يتسابقون لنيل الشهادة والفوز بالجنة.
لم تكن هذه الحرب مختلفة بالنسبة لأهل غزة فحسب بل كانت مختلفة للعالم أجمع، وكان لها دور كبير وبارز في كلِّ العالم، اعتنق الإسلام عدد كبير، وأصبح العالم على يقين تام بقضية فلسطين وعلى دراية بالحقيقة وأن ما يشاع لديهم مجرد أكاذيب لا صحة لها، العالم بات يدين العدو المحتل، هذه الحرب بالرغم من قساوتها فقد كان لها دور إيجابي في تغييرنا للأفضل، نحن اليوم بعد السّابع من اكتوبر لم نعد كسابق عهدنا تغيرت نظرتنا للحياة، تغيرت أولوياتنا، حتى نظرتنا للموت اختلفت ونحن نرى صمود أهل غزة أمام الفقد وبأبشع أنواع الموت منهم من استشهد على الفور وكثيرون لم يباغتهم الموت بل بقيت أجسادهم شاهدة على المجازر والتنكيل اللذين تعرضوا لهما، لن ننسى صور الأشلاء الملقاه على الأرض، آباء يحملون أكياسا فيها أشلاء أبنائهم، استشعرنا بحلاوة النعم التي نملكها وأصبحنا نقدِّر تلك النِّعم ونحمد الله على ما نحن عليه، أصبحنا نخجل أن نرفض طعاما لأننا لا نحبه وبالمقابل أهلنا في القطاع يغسلون الخبز البالي ويقدمونه لأطفالهم كوجبة رئيسية ، لم نعد نشعر بملل بل أصبحنا نشكر الله على ما نحن عليه من روتين حياة.
انتهى شهر رمضان المبارك وانتهى عيد الفطر السعيد وأبناؤنا عادوا لمقاعدهم الدراسية ولروتين يومنا الدراسي وما يحويه من ضغط وامتحانات ، أصبحنا نحمد الله أيضًا على هذا الروتين الذي كان عبئًا على كاهلنا كأهل وتربويين، لكن هل سيعود أطفال غزة لحياتهم؟ ! هل سيعودون لمقاعدهم الدراسية؟ بالطّبع نحن عدنا لكن هم لن يعودوا، أي مدارس وأي جامعات وأي مساجد كل ذلك هدم ودمّر ولم يبق منه شيء، ذكرياتهم مقتنياتهم وحتى شهاداتهم كل ذلك لم يبق منه سوى حطام، إن العدوّ الغاشم لم يترك شيئا في غزة العزّة إلأ ودمرّه حتى البيوت التي كان يقطنها جيش الاحتلال قبل رحيلهم دمروها وحرقوها كي لا تصبح صالحة للحياة بعد ذلك، وأنا أصّف كلماتي لم أجد مصطلحا يشفي غليلي ويشبه هذا «العدو الغاشم»، أي كلمة ستصف كل هذا الحقد والقساوة واللؤم.
لكن رغم كل هذا العدوان شهدنا صمودًا وقوةً من أهل غزة، فعلا إنكم تحبون الحياة ما استطعتم إليها سبيلا ورقصتم بين شهيد وشهيد، احتفلتم بعيد ميلاد أبنائكم فوق دمار بيوتكم، علقتم الأضواء فوقها وأنشدتم مبتهجين بحلول شهر رمضان المبارك وبقدوم عيد الفطر السعيد، تمسكتم بالأطلال التي بقيت من منازلكم وعندما سنحت الفرصة لكم لكي تعودوا عدتم مقبلين لا مدبرين رغم أنف العدو المحتل والقصف يتخلل صفوفكم أي صمود وأي إيمان وأي صبر تملكون، نحن لم نتحمل قساوة المشاهد من بعد ما أوجعتم قلوبنا ، الكثير منا توفي جراء تعرضه لذبحة صدرية وسكتة قلبية من هول المشاهد عبر الشاشات، لكن صور التكاتف والتلاحم بين أبناء غزة أثلجت قلوبنا فهناك من وهب حياته خلال هذه الحرب لتسليط الضوء على العدوان الهمجي وإيصال صوت الحق كان أبرزهم وائل الدحدوح هذا البطل الذي أصبح رمزا للصمود بعد خسارته لزوجته وأبنائه وحفيده ومؤخرا أمه وبقيت كلمته الشهيرة «معلّش» عالقة في أذهاننا، نسأل الله أن يتقبلهم جميعًا شهداء، ولاحقه قصف العدو أكثر من مرة لكن نجاه الله من الموت ولله الحمد، لكنه أصيب بيده واضطر لمغادرة القطاع لإجراء عملية جراحية، لكن للأسف استشهد صديقه المصور سامر أبو دقة، ولن ننسى دور معتز عزايزة في نقل الصورة عبر عدسته والذي غادر القطاع مسبقا، واستمر بالمسيرة كثيرين منهم صالح الجعفراوي، اسماعيل الدحدوح، أنس الشريف والذي رزق مؤخرا بابنه والذي أسماه «صلاح» تيمنًا بصديق عمره وغيرهم الكثير من الصحفيين الذين أصيبوا خلال تغطية الأحداث، ولن ننسى أحمد حجازي ودوره البارز وتفانيه خلال الحرب والذي اضطر لمغادرة القطاع وذلك لاستقبال طفلته الأولى التي أسماها «يافا» وذلك بعد اعتقال عدد من أخوانه، بالإضافة لإيصالهم للمساعدات والتبرعات لأكبر عدد ممكن من النازحين، ولن ننسى دورهم في إدخال الفرحة على قلوب الأطفال بتقديم الهدايا والألعاب والملابس وذلك لكي لا يشعروا بالحرمان ونعلم جميعنا آثاره النفسية التي يخلّفها على الأطفال التي قد تفوق آثار الحرب، فهم شهدوا شهر رمضان وعيد الفطر السّعيد بين الرّكام فلم يتمكنوا من إتمام شعائر الله كعادتهم واكتفوا بالإمكانيات المتاحة لديهم، حتى نحن لم نعش فرحة شهر رمضان كاملة فكانت منقوصة هذا العام ، لم نشارك صور أبنائنا كعادتنا ولا صور التهنيئات وأكملنا ما بدأناه خلال العيد فالبعض اكتفى بتقديم التمر والقهوة السادة على غير العادة وهذا ليس بالجديد على شعبنا الحبيب الذي طالما اعتدنا منه الأخوة والمحبة.
قلوبنا معكم يا أهل غزة، تصدرتم حديثنا في كل مجلس أصبحتم الأقرب لقلوبنا، إنّ أول ما نفعله عندما نفيق من نومنا نفتح جوّالاتنا لكي نطمئن عليكم وندعوا الله دائما ونذكركم في صلاتنا دائما بأن يحميكم الله ويرفع عنكم الظلم ويفرح قلوبكم بنصر قريب إن شاء الله، وسنبقى نتحدث عنكم وننشر صوركم وفيديوهاتكم ما حيينا حتى نفرح بالنصر معا فنحن لن ننسى ولن نعتاد المشهد إن شاء الله تعالى.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :