-

المجتمع والناس

تاريخ النشر - 31-01-2024 09:08 AM     عدد المشاهدات 116    | عدد التعليقات 0

الموظف بعد التقاعد .. رحلة تشوبها تغييرات باكتشاف الذات وغربلة العلاقات

الهاشمية نيوز - في مرحلة التقاعد، يخوض الموظف "السابق" ومن كان يتمتع بمنصب مهم في مؤسسته، برحلة فريدة من التحولات الشخصية والاجتماعية، وقد ينجح في بنائها بالشكل المطلوب من إعادة اكتشاف الذات والاستمتاع بالحياة أو يمر بمرحلة متعبة من "غربلة" العلاقات، تحديدا التي كانت ترتبط بالمصلحة.

يتغير دور المتقاعد ووضعه في المجتمع، مما يقوده إلى تأملات عميقة حول القيمة التي يتمتع بها بين الناس، وتأثير ذلك على علاقاته الاجتماعية الصادقة بعد ذلك.

عبر سنوات عديدة من الخدمة الوفية، يشعر الموظف المسؤول بتحمل مسؤوليات كبيرة وبناء علاقات طويلة مع زملائه ومعارفه، ولكن عندما يأتي وقت التقاعد، يواجه تحولا حياتيا يصاحبه تغير في الطريقة التي ينظر إليه فيها.
تبدأ المشاعر بالتأرجح بين الفخر بالإنجازات والمرارة تجاه تراجع الاهتمام والتواصل، إذ يشعر المتقاعد بأنه، ومع ابتعاده عن الحياة المهنية، يتلاشى معنى وجوده في مجتمع العمل. وقد يصبح التواصل السابق مع زملاء العمل أقل بسبب تغيير الديناميات والأولويات.
يتحدث المدير السابق في إحدى المؤسسات الكبيرة عبد الجبار، الذي استمر 18 عاما في منصبه، قائلا إنه بعد أن وصل سن التقاعد قبل عامين، كان يفكر بأن سن الراحة وعيش الحياة الاجتماعية سيكون بشكل مختلف، إذ إن هناك الكثير من المناسبات التي كان يعتذر عن حضورها، بسبب عمله.
لكن المفاجأة كانت بالنسبة لعبد الجبار، حسب وصفه، بالاكتئاب والشعور بقلة الحيلة بعد التقاعد بفترة وجيزة، فبعد أن كان هاتفه لا يتوقف وأحيانا يضعه على خاصية الطيران، ليتجنب عددا من المكالمات والأشخاص الذين يطلبون خدمة أو تمرير سير وظيفية لمسؤول معين وغيرها الكثير من الطلبات، بات هاتفه لا يتلقى حتى مكالمة واحدة خلال يومه إلا من ابنته المتزوجة تتفقد أحواله وتسأل عنه.
ويوضح أنه حتى أقاربه وأصدقاؤه المقربون، اختلفت علاقته بهم بعد التقاعد، إذ ينظرون له وكأنه شخص هرم، رغم أنه الشخص ذاته ولم يختلف عليه شيء إلا أنه ترك وظيفته، ما يجعله يشعر بالسوء بأن أغلب علاقاته الذي اعتقد أنها صادقة وحقيقية كان سببها الوظيفة، وليس شخصه كما كان يعتقد.
اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، يؤكد أن الموظف السابق يشعر خلال تقاعده بأن هناك تراجعا تدريجيا في قيمته في عيون الناس، حيث يمكن أن يفقد بعضهم اهتمامه وتقديره بمجرد انقطاعه عن العمل. وتتعقد هذه المشاعر بعدم فهم البعض للتحديات التي يواجهها المتقاعد، وقد يشعر بالوحدة والإهمال.
لكن، حسب مطارنة، يجب أن يقتنع الفرد بأن لكل شيء بداية ونهاية، فليس معنى أن الوظيفة انتهت أن الحياة انتهت، إذ يمكن للفرد أن يفكر بشكل مختلف من خلال تحول التقاعد إلى فترة مهمة من التفكير واستكشاف الهوية الشخصية خارج السياق المهني.
وقد يجد الموظف المتقاعد فرصا جديدة للتعلم والمشاركة في مجتمعه بطرق جديدة، ما يجعله يجد قيمة جديدة في حياته، مؤكدا أن التجربة بعد التقاعد تعكس رحلة معقدة من الاكتشاف الذاتي والتأقلم مع التغييرات في العلاقات الاجتماعية، حيث يبدأ في بناء قيمته بشكل جديد، ويجد أهميته خارج إطار الحياة المهنية التقليدية.
ومن ناحية أخرى، يؤكد اختصاصي علم الاجتماع د.حسين خزاعي، أن حياة المتقاعد قد تكون صعبة إن كان هناك إهمال وقلة شأن تحديدا من عائلته المقربة، ففي بداية رحلة التقاعد، يمكن أن يشعر الفرد بأنه جالس لا يعمل شيئا وأن الجميع يعيش حياته بشكل طبيعي، وهو عليه التعرف على الحياة الجديدة غير المعروفة لديه.
ويتابع "لكن العائلة والأقارب والأصدقاء يمكن أن يخلقوا حياة أخرى ومختلفة وجميلة للمتقاعد"، مبينا أن الفرد نفسه يمكن أن يحدد مهاراته واهتماماته واكتشاف القدرات، إذ يمكن أن يفتح آفاقا جديدة والبحث عن فعاليات تناسب مهاراته وتجلب له الرضا والتحدي.
وينصح المتقاعد بالانخراط في الأنشطة المجتمعية وإقامة علاقات جديدة وإثراء الحياة الاجتماعية، ويمكن أن تكون المشاركة في الأعمال التطوعية إحدى الوسائل الفعالة لتعزيز الشعور بالمساهمة.
ويتحدث خزاعي، بأن روح الفرد تجعل لكل شيء نكهة مختلفة، فمن كان كثير التذمر والعصبية ويرى نفسه قد أصبح بمكانة أقل تكون رحلة تقاعده محبطة، ومن يجد نفسه قد وصل لوقت الراحة والبحث عن الجيد والاهتمام بذاته وبعائلته وأقاربه، فلا ضير من أن يجد لنفسه عملا حرا يهوى القيام به، وتعزيز المهارات الشخصية بالاستثمار في تطويرها يمكن أن يساعد على تعزيز الثقة بالنفس وفتح فرص جديدة.
ويضيف، أن المتقاعد عليه ألا يرى نفسه منفصلا عن العالم، بل عليه أن يبقى متصلا بالأصدقاء والعائلة والحفاظ على الروابط الاجتماعية القائمة التي تعزز الدعم العاطفي وتساعد على التغلب على شعور بانخفاض القيمة.
ووفق خزاعي، هنالك ضرورة لاستكشاف فرص العمل المرنة، والاستفادة من مهاراته في مشاريع حرة، هذا يتيح له الاستمرار في التحفيز والإنجاز، واستغلال الفرص الثقافية والترفيهية والاستمتاع بالهوايات والأنشطة التي تحمل قيمة ثقافية وترفيهية يمكن أن تسهم في تحسين حالته المزاجية.
ويشدد على أنه من المهم أن يأخذ المتقاعد وقتا للتكيف مع التغيرات وأن يكون صبورا مع نفسه، حيث إن تحول الفكر والأولويات يحتاج إلى وقت وجهد.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :