-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 05-12-2023 10:50 AM     عدد المشاهدات 142    | عدد التعليقات 0

مَشاهِدُ مِن طُقوسِ الطُّغيان

الهاشمية نيوز - علي طه النوباني
ظَلَمونا
ثمَّ تَظالمنا
فتساوى المظلومُ مع الظالمْ
وأَقمنا في الشِّعبِ عُقودًا
نَتَوَجَّسُ من شبحٍ نائمْ
حَجَرٌ يَتَدحرجُ نحوَ السَّفحِ
فَنَحملهُ
وَنُسافرُ في الأفقِ الغائمْ
وَأنا يا سيزيفُ دموعي
مَطرٌ يَروي الأشجارَ
وَيَهطلُ في الحُزنِ الدائمْ
طِفلٌ تاهَ
فَلم يعرف دارَتَهُ
مِن مِخلبِ نَسرٍ حائمْ
لَم أقطع طُرُقَ الغيمِ
وَلَمْ أُطفئْ ياقوتَ الحالِمْ
لكنّي
حينَ خَبِرتُ طريقًا كَذّابًا
يَتَوارى في ثَوبِ وَقارٍ
وَعَبيرٍ ناعمْ
جَرَّبتُ المَعرفةَ الأولى
فَرَمتني في شوكِ الخَيبَةِ
والأُفق القاتمْ
***
ظَلمونا
ثُمَّ تَظالَمنا
وَسَقَطنا في جُبٍّ حالكْ
وَسَيذهَبُ كُلٌّ مِنا
يَشكو لِلظالم هَولَ الأيّامِ
وَيَستَجدي قَبسًا مِن نورٍ
في الزَّمنِ الهالِكْ
طاغِيَةٌ حُلوُ الشَّكلِ
وَآخرُ يَزحفُ مِثلَ الأَفعى خَلفَ رِحالِكْ
طاغِيَةٌ مِنْ صَوتِكَ يَنْسِجُ أغنِيَةً
والآخرُ يَعوي في أَذيالِكْ
طاغِيَةٌ يَتَجَدَّدُ مِثلَ العَنقاءِ
وَيَصنَعُ خِرقَتَهُ مِنْ أَسمالِكْ
طاغِيَةٌ يَتَقَرَّبُ للرَبِّ بِقَتلِكَ
ثُمَّ يُسافِرُ في أَحوالِكْ
طاغِيَةٌ مِسكينٌ يَستَعدي النَّملَ
وَآخَرُ يَزرعُ لُغمًا في أَوصالِكْ
وَأَنا يا سيزيفُ أحاوِلُ
أَنْ أَقرعَ جَرَسًا
أَنْ أَصنعَ مِنْ كَلِماتي فَرَسًا
أَنْ أَقتُلَ بِذْرَةَ طُغْيانٍ في جَوفي
لكنّي أَتهالَكُ بينَ رِمالكْ
***
ظلمونا
حينَ قَرأْنا الأَوراقَ
وَلَمْ نَقرأْ حَدَّ السَّيفْ
وَأَقمنا بَينَ دُوارِ البَحْرِ
وَنَهرِ الظُّلمِ
وَمَقبَرَةِ الحَيفْ
ظَلَمونا
وَنَسوْا أَنَّ الرّاحِلَ مَغلوبٌ مَهما يَطغى
والقادِمَ ضَيفْ
طاغِيةٌ يَطْعَنُ في البَردِ
وَآخرُ يَعشَقُ أنْ يَطعنَ في حَرِّ الصَّيفْ
وَأَنا يا سِيزيفُ سَأَبْحَثُ في جَوفي عَن طاغِيَةٍ
كَي أَقتُلَهُ
لكنّي
لا أعرِفُ كَيفْ
***
ظَلمونا
ثُمَّ تَظالمنا
وَمَضى المُحتالُ لِوِجْهَتِهِ
يَزرعُ نَرْجِسَةً
في واحَتِنا الغَنّاءْ
لَمْ يُعْجِبهُ الوَرْدُ
وَلمْ يَقطِفْ قَبَسًا مِن شَغَفِ الغُرباءْ
كانوا دائِرَةً حائِرَةً
تَتَثَنى في وَلَهٍ
تَقرأ سَطرا فَتَموتُ
وَتَبكي الأشياءْ
طاغِيَةٌ يَسكُنُ في الحَرفِ
وَيَصنَعُ مِنْ وَتَرِ القيثارَةِ سَوطًا
يَلسَعُ حوريّات الماءْ
طاغِيَةٌ آخرُ يَقلِبُ وَجهَ الدُّنيا
كَي تَبلعَ سِحْنَتَهُ
وَيُبَشِّرَ بالظَّلماءْ
وَلَعلّي يا سيزيفُ أَموتُ هُنا
يَكفي ما أَتَجَرَّعُ مِن سَفَهٍ
وَأَنا أَبحثُ عَن طَيفِ رَجاءْ
***
ظَلَمونا
فَتَظالَمْنا
ثُمَّ تَظَلَّمنا للظّالم كَي يُنْصِفَنا
ما خَطْبُ طَريقِكِ هذا يا طَقْسَ الأَرضِ السِرِّيِّ
يُقَطِّعُنا إِربًا
ثُمَّ إِذا شاءَ يُؤَلِّفُنا
ما خَطْبُ الطُّغيانِ يَمُدُّ لِسانَ الفَوضى
في لَحَظاتِ العُريِ
فَنَحبوا في الشَّوكِ نَزيفًا أَبَدِيًّا
يَتَمَطّى في الثَّلجِ
وَيُحْرِقُنا
***
ظَلَمونا
حينَ طَرَقْنا الأَبوابَ
فَضاعَتْ أَيدينا
وَتَشَكَّلَ في نَسْجِ الخَشَبِ الأَشْعَثِ نَسَقٌ
كَالشَّوكِ النّافِرِ
كَالزَّهْرِ الزّاهي
كَالحُلمِ الضّائِعِ
يُؤلِمُنا
وَيُؤَسّينا
ما خَطبُ الرِّحْلَةِ طالتْ يا سيزيف عَلينا
حتّى لا نَعرفُ حاضِرَنا
من ماضينا
هَبْ أنّا أَطفأنا الشَّمعَ قَليلًا
هَبْ أَنّا أخفَينا الدَّمعَ قَليلًا
هَبْ أَنّا عانَقنا الأَبوابَ
وَهِمْنا في الطُّرُقاتِ قَليلًا
هَلْ يَخْفُتُ هذا الحُزْنُ
وَيَمضي في الأفْقِ لِكي يَتَوارى فينا؟!
***
ظَلَمونا
ثُمَّ تَظالَمنا
حَشَدوا اللُّؤمَ عَلى تابوتٍ حَجَرِيٍّ
نَقَبوا في الصَّوتِ
وَفي المَوتِ
وَفي الحَمَأِ المَسنونِ
تَأتأَ طاغِيَةٌ مَأفونٌ بَينَ الحُجُراتِ
أَنا صَوتُ الرِّيحِ
وَحُنجَرَةُ البُلبُلِ إِن غَرَّدَ يَومًا
وَأَنا النَّسغُ السّاري في الزَّيتونِ
وإِذا كادَتْ شَمْسي أَنْ تَغرُبُ عَنكُمْ
فَأَغيثوني
نَهَضَ البُلَهاءُ وَساروا هَروَلَةً
وَتَقَدَّمَ قائِدُهُم كَالثَّورِ الهائِجِ
«أَفديكَ بِنَفسي وَعُيوني»
صَمَتَ الجَمعُ
وَكانوا قاطِبَةً
يَخشَوْنَ سِهامًا تأتي طائِشَةً
مِن كُلِّ جِهاتِ الأَرضِ
لِتَسكُنَ في قَلبٍ مَحزونِ
جاءَ الكاهِنُ قُربَ التّابوتِ
وَهَذْرَبَ
حَتّى مَلَّ القومُ حِكايَتَهُمْ
وانشَغَلوا بالبَردِ
وَبالحَرِّ
عَنِ الطّاغِيَةِ المَجنونِ
***
وَأَتى الفاجِرُ مُبْتَلًّا بِدَمٍ كَذِبٍ
يَتَوارى بينَ حَريرِ النَّشوةِ
والغَفلةِ
يَعوي بَينَ دُروبٍ لَكناءْ
يَسرقُ مِنْ طِفلٍ ضِحْكَتَهُ
وَيَلوكُ عِظامًا عَجفاءْ
تَتَبَوَّلُ عَيناهُ بَراغيثًا شاحِبَةً
تَمتَصُّ الصَّمْتَ
وَتَنْفُثُهُ في وَجهِ الكَلِماتِ لِتَنْطَفِئَ الأَسماءْ
لكنَّ الشّارعَ يَبْقى يَحكي
ألفٌ باءٌ تاءٌ ثاءْ
وَيَعودُ الكُلُّ هُناكَ
ذَليلًا
مَخدوعًا
مَسلوبًا
تَلسَعُهُ الفِكرَةُ مِثلَ العَقربِ
في دائِرَةٍ صَمّاءْ.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :