-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 08-11-2023 10:32 AM     عدد المشاهدات 107    | عدد التعليقات 0

المسافة صفر

الهاشمية نيوز -
بشار جرار

جافى الصواب من ظن أن العين ترى ولا ترى، تَقرأ ولا تُقرأ. تماما كما رأى ابن الهيثم منذ قرون أن سهم النظر -إن جاز التعبير- لا يخرج من العين بل من الأشياء التي ترصدها عبر خاصية انعكاس الضوء أو لعله انكساره. ما العين -ومن أسمائها «نافذة الروح»- إلا جهاز استقبال لا يعمل بكفاءة إلا بالضوء والنور: الأول يتكفل بالبصر، والثاني بالبصيرة، لا حرمنا أيا منها، ولا حرمها حتى لأعدائنا.

الأنظار ما زالت متجهة إلى غزة هاشم، إلى جرحنا النازف غربا. بث مباشر وتغطية متواصلة، تتخللها مداهمات وعمليات خاطفة في الضفة الغربية، ومناوشات شمالا حيث يقبع في الصورة الجانبية والخلفية شبح اندلاع ما سمته نظم وتنظيمات «المحور» -محور المقاومة والممانعة- «وحدة الساحات».

يعرف عابرو المساحات الشاسعة من سائقي الشاحنات والمقطورات الذين يقودون بشجاعة ونخوة وحميّة حمولات الإغاثة لأهلنا في القطاع، كما في الحروب السابقة ومنها حروب الخليج الثلاثة، يعرفون أن الأجسام التي تبدو بالمرآة، خاصة الجانبية لا تعكس الحجم الحقيقي والمسافة الحقيقية للأشياء التي ترى! يعرف قادة المركبات خاصة الكبيرة والثقيلة أن المشهد لا يكتمل إلا باستطلاع ما لا يرى والاستعداد دائما لسبق لا لسباق، بمعنى استباق مواجهة كل ما يعيق تقدم المسير الآمن. الأمان يكمن في تفاصيل كثيرة أهمها القدرة على المناورة والمباغتة والاستعداد لأي طارئ حتى السراب، يحسب له ألف حساب، حتى لا يتضح فيما بعد -بعد فوات الأوان- أن اللمعان والبريق كان لسائل قد يتسبب بانزلاق غير محمود العواقب، لا تجدي معه الكوابح نفعا ولا الغيارات العكسية!

تداول نشطاء ينشطون في الأزمات ويتوارون عن الأنظار في الملمّات، تداولوا صورا احتفالية بوضع قنبلة على دبابة من مسافة صفر. العبرة أن البصيرة هي مسافة الأمان التي تحول دون الاصطدام أو الانفجار أو تلك اللحظة السابقة للدوس على لغم أرضي. الأمان لا يقاس بالمسافات ولا بالحدود ولا بالجدران ولا بالحصون.

ثمة ألغام أرضية كثيرة، وأفعال وردود أفعال تتدرج بين تلك الأجسام التي لا تظهر بأحجامها الحقيقية وتلك التي لا ترى على الإطلاق. أخطر ما في الأزمات المركّبة يزداد خطورة وتعقيدا ما لم يتم تفكيكها برؤوس باردة وعقول وازنة ونفوس مطمئنة وأياد ثابتة.

لا مجال للمرايا في رصد الهدف وحسن تقدير الموقف ودقة قراءة المشهد. لا بديل عن العين المجردة، العين اليقظة التي لا ينال من رؤيتها غبار ولا من بصيرتها دخان ولا نار. فما يجري الآن نقمة وفتنة، محنة ومنحة، لكن لا ننسى أبدا أن فوق تدبير البشر، رب محب حكيم حليم رحيم.. الفرج قريب بعون الله، وهمّة سيّدنا عبدالله الثاني والخيّرين في هذا العالم..






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :