-

كتابنا

تاريخ النشر - 31-10-2023 10:23 AM     عدد المشاهدات 88    | عدد التعليقات 0

المثقفون طليعة المجتمع، والوقوف على الحياد في القضايا المصيرية خيانة عظمى

الهاشمية نيوز - نضال برقان
على الرغم من أهمية دور المثقف الحقيقي، في مختلف الظروف التي تواجه مجتمعه، بيد أن ذلك الدور يتعاظم في اللحظات الحرجة والفارقة من التاريخ، حيث يتجلى اشتباكه الفاعل مع قضايا الأمة المصيرية.
وبينما تواجه الأمة العربية تحديا مصيريا متمثلا بالعدوان الصهيوني الغاشم على الأهل في فلسطين عموما، وفي غزة على وجه التحديد، من قتل وتدمير ممنهج للبنية التحتية والصحية، ومحاولات التهجير القسرية للشعب الفلسطيني، فإننا نتوجه بمجموعة من الأسئلة التي تتمحور حول دور المثقف الحقيق وما يُنتظر منه في اللحظات الحرجة والفارقة من التاريخ، إلى مجموعة من المثقفين، ومحطتنا اليوم مع الأديب محمد عارف مشّه...

برأيك، ما الدور الذي يمكن أن يقوم به المثقف العربي في ظل العدوان الغاشم الذي يقوم به الاحتلال في غزة؟
- المثقفون طليعة المجتمع، بشمولية مفهوم الثقافة وصنوفها، فلا بدّ للمثقف أن يكون منحازاً لقضايا أمته ووطنه، وإلا فإن الثقافة تنتفي عنها بالضرورة، فالوقوف على الحياد في القضايا المصيرية خيانة عظمى، فما بالك إن كانت القضية هي القضية العربية الفلسطينية، والتي تهمّ كل أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. فالموقف والانحياز للقضية العربية الفلسطينية، موقفا وطنيا حاسما، وليس ترفا ثقافيا.
المثقفون هم القادة الذين يقودون المجتمع، وهم الذين يتوجب عليهم توجيه السياسي، بحسب قدرتهم على التأثير، بعيداً عن الخطاب التقليدي والشجب والاستنكار، أهلنا في غزة وفي فلسطين وأمام تعرضهم للإبادة الجماعية، والتي تجاوزت كل أشكال العنف والجريمة ضد الإنسانية والبشرية، بقتل الأطفال والنساء والشيوخ بأسلحة محرّمة دولية، وبتدمير البيوت على ساكنيها، وقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف، وقتل الصحفيين والطواقم الطبية، وحرمان سكان غزة من الماء والكهرباء وأبسط حقوق الحياة، لابدّ للمثقفين أن يكون لهم الدور الأساسي في إيصال الصورة الحقيقية، أمام الكم الهائل من التضليل الإعلامي والتدليس على وسائل الإعلام وصفحات ومواقع التواصل الاجتماعي من العدو الصهيوني والدول الغربية والأوروبية الداعمة للاحتلال وجرائمه، لكن هذا لا يمنع أن يتخذ المثقف الموقف الشريف لصالح قضيته العربية والفلسطينية، ما دام أن الكل مهدد من هذا الورم السرطاني في جسد الأمة العربية. بل ومن المعيب أن نجد بعض المثقفين الأوربيين والغربيين دعاة التحرر الحقيقيين موقفهم الإيجابي تجاه القضية العربية الفلسطينية، وما يدور في غزة وفي فلسطين الآن أكثر إيجابية من بعض المهزومين والمهرولين نحو التطبيع مع الكيان الغاصب من المثقفين العرب.
دور المثقف الآن قد يقع على المترجمين والذين يتقنون أكثر من لغة غير اللغة العربية، لإيصال الحق العربي وإيضاحه باللغات الحيّة، والرد على مزاعم العدو وبطلان ادعائه، ولمن يتقنون فنون السوشيال دور أساسي أيضا بعمل الفيديوهات التي تنقل حقيقة ما يجري في غزة وفلسطين. فالكل مسؤول الآن، والكل غير بريء إن بقي صامتا، فلن يرحم التاريخ مثقفا صامتا عن الحق، ألسنا من يطالب في كتاباته ومؤلفاته بالحرية، والحق، ورفع الظلم، وحق الإنسان أن يعيش في وطنه وحق في تقرير مصيره، ألسنا من يقول ويكتب بأن مقاومة المستعمر من أجل الحرية والاستقلال ليست إرهابا، بل مقاومة من أجل الحرية والاستقلال؟ أليس المثقفون هم من يقودون ولا يقادون، أو يفترض ذلك أن يكون؟

يعيدني الراهن العربي إلى طبيعة العلاقة بين المثقف والحدث الراهن والمعيش، ترى لماذا لا نسمع صوتا (قويا) للمثقف العربي في اللحظات الحرجة والمفصلية من تاريخ الأمة، مثل اللحظة الراهنة التي نعيش الآن؟
- إن عمل النظام السياسي العربي على تغيب للمثقف العربي في كثير من المواقف، يؤثر سلبا بالضرورة على موقف المثقف العربي، لكن هذا ليس السبب الوحيد لغياب المثقف العربي بالاشتباك مع المواقف العربية الراهنة أو المستقبلية، فأمر غياب المثقف العربي يعود أحيانا لقرار يتعلق بالمثقف نفسه، وذلك إما لظروف اقتصادية، أو لظروف عمله وركضه وراء رزقه، كأي مواطن عربي يبحث عن رزقه.
مهما كان السبب لدى المثقف، فهو ليس مبرراً على وجه الإطلاق، فالمقاوم في الحرب على غزة لم يبحث عن مبررات ليتقاعس عن فعله المقاوم. القضية ليست قضية غزة فقط، وليست قضية المسجد الأقصى وحده رغم دلالة المسجد الأقصى الدينية والحضارية، ما انبثق عنه الاصطفاف نحو حرب عقائدية فكرية أيدلوجية، وليست قضية حدود جغرافية فقط، رغم أننا لن نفرط بذرة من تراب فلسطين من البحر إلى النهر. بل هي قضية عربية ممتدة جذورها من المحيط إلى الخليج، سواء للإنسان العربي والإنسانية بشموليتها، فما حرب الإبادة على غزة وفلسطين واستخدام أبشع أنواع الأسلحة التدميرية، ما هي إلا ليعمل العدو على القضاء تماما على الإنسان العربي في فلسطين وهدر كرامته، إذن هي قضية صراع حضاري وجودي، وإلا لماذا تصطف غالبية الدول الأوروبية ودول الغرب مع العدو الصهيوني، ضد الإنسان العربي والفلسطيني، ولماذا كل هذا الحشد من الطائرات الحربية والسفن والجيوش الغربية التي تأتي تباعا من الدول الأوروبية والغربية.
نعم هناك بعض المثقفين الأوروبيين والغربيين على ندرتهم، كان وقوفهم إلى جانب دعم الشعب الفلسطيني وحقوقهم في تقرير المصير. لكن يظل السؤال دائما يضج المضجع ويقلقه، أين المثقف العربي؟ لا يمكن لأحد أن ينكر دور الكثير من المثقفين الفلسطينيين والعرب في دعم القضية العربية الفلسطينية، من مفكرين ومحللين ومثقفين وسياسيين، والأمر يطول بذكر أسمائهم، لكن يبقى هناك البعض ممن يفضل البقاء في المنتصف ليميل حيث الريح تميل، والبعض الآخر قد يكون له القليل من العذر بالتروي لكي يفهم ما يحدث، لكنه عذر أقبح من ذنب. فمن يريد أن ينتظر إثبات أن الشمس تشرق صبحا وتغيب مساء، سيظل في عتمة الليل. الحقيقة واضحة، والعدوان واضح، وجرائم الإبادة الجماعية في غزة وفلسطين واضحة، فماذا ينتظر الصامتون والمرجفون في الأرض؟ التاريخ لن ينسى ولن يرحم المتخاذلين والمنافقين والمرجفين.

منذ أربعة عقود وكتاباتك منحازة تماما للحق الفلسطيني، وفي هذا الإطار جاءت مجموعتك القصصية الحديثة «شارع السيل»، ترى ما الرسالة الأبرز والمقولة العليا التي أردت إيصالها للقاري من خلالها؟
- منذ (حكحك) في مجموعة (حبك قدري) التي صدرت عام 1983، وهو شخصية ينقل على حماره الطحين والمواد الغذائية التي كانت توزعها وكالة الغوث الدولية على اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات، هذا الإنسان الفقير والبسيط الذي كان بالكاد يحصل على قوت يومه. رفض أن يؤجر حماره من قرشين لخمسة قروش، لأنه يتعارض مع موقفه من الحياة، مروراً، بـ(مسعود البغل ) في قصة أخرى، رغم ضخامة جسمه كبغل، إلا أن الخوف والرعب من اللا شيء، جعله دائم الرعب والخوف من الفأر.
فسواء كانت القصة القصيرة جداً، والتي تميّز فيها محمد عارف مشه منذ عام 1983، أو كانت في القصة القصيرة العادية أو الرواية، كان انحياز محمد مشه للقضية الفلسطينية وللإنسان الفلسطيني، سواء في مخيم الشتات أو في الوطن الفلسطيني المحتل، ولم أهمل في مجموعاتي القصصية دور الإنسان العربي في دعم القضية العربية الفلسطينية، سواء بالمال أو السلاح أو المشاركة في الحروب العربية مع الكيان المحتل.
في المجموعة القصصية شارع سقف السيل، ظل الالتصاق والانحياز لإنسانية الإنسان وحقه في الحياة أينما كان على اختلاف لونه وعقيدته وفكره ومكانه الجغرافي، مالم يكن مغتصبا لوطن أو لحق من حقوق أخيه الإنسان، وللمرأة والطفل والشيخ كبير السن، للفقراء وللمقهورين، للطامحين وللمتفائلين، عن الخائفين وعن المنتصرين على خوفهم ورعبهم، كما كانت أنسنة الجماد بل واستنطاق اللوحة الفنية وشخوصها، وأنسنة الحيوان وإبراز مشاعر خوفه ومشاعر وتحديه بانتصاره على الجزّار الذي أراد ذبحه، فيتخلص برفسة منه للجزار تنقذه من الموت رغم تخاذل بعض الخراف من حوله عن مساعدته.

ترى هل تناول المثقفين للأحداث الكبرى واللحظات المصيرية في تاريخ الأمة من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي أم سلبي على المنتج الإبداعي، ولماذا؟
- لا زالت أسماء كثيرة من المبدعين العرب وغيرهم على مر التاريخ، لا زلنا نذكرهم ونتغنى بإبداعاتهم، أليس لأنهم كانوا يقفون إلى جانب القضايا المصيرية، أولم يشارك بعض المبدعين في الحروب، وكتبوا روايات وقصائد مبدعة لا زلنا نقرأها؟
الوقوف إلى جانب القضايا المصيرية يزيد الإبداع إبداعا. فما بالك إذا كانت القضية العربية الفلسطينية، أهناك أكثر أهمية وإبداعا من حمل القضية إنسانيا عربيا وعالميا في الإبداع. ولطالما كان الإبداع الحقيقي يحمل فكرا حقيقيا منحازاً للحق وللخير والجمال، كما لا يوجد أدب خالد يحمل فكرة الفن للفن أو الإبداع من أجل الإبداع. أبدا لم يقف الدفاع عن قضايا الإنسان وحقوقه إيجابا ولم يكن مانعا أو سلبا للإبداع، ثم لنسأل من هو الأهم الفكرة أم الإبداع؟ الاثنتان معا فلا فكرة بلا إبداع، ولا إبداع بلا فكرة تحمل همّ الإنسان العربي وقضاياه اليومية والمصيرية.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :