-

كتابنا

تاريخ النشر - 15-08-2023 09:33 AM     عدد المشاهدات 135    | عدد التعليقات 0

على ضفاف النيل .. أمسيات المحروسة

الهاشمية نيوز -
د. ماجد الخواجا

زرت القاهرة أول مرّةٍ في سنة 2008 لحضور احتفالية وتكريم من طرف أحد المراكز الثقافية، كانت زيارة ليلية لم يتح لي التعرّف بشكلٍ مقبولٍ على القاهرة، إلى هذه السنة التي حظيت فيها بثلاث زيارات متقاربة للمحروسة، هنا جاءت الفرصة للاقتراب من تفاصيل المدينة العميقة المتشابكة، فأن تتجول في أحياء الجمالية والحسين والسيدة زينب والعتبة وكوبري ستة أكتوبر، والتحرير وطلعت حرب والمعز لدين الله وباب زويلة وباب اللوق وباب الفتوح، ومسجد قلاوون والجامع الأحمر وفطاطري الحسين وكافيه ريش، وجروبي، وممشى كورنيش النيل وكوبري قصر النيل بأسوده الأربعة، وقلعة صلاح الدين، وشارع محمد فريد وقصر عابدين، وأن ترى الفروق بين مصر القديمة المعتقّة من أيام العباسيين والفاطميين والمماليك والأيوبيين والعثمانيين وأسرة محمد علي الكبير، وبين مدينة نصر ومدينة مصر الجديدة، ولم يتح لي المجال لرؤية المدن الجديدة في العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمينومدينة المنصورة الجديدة، لتدرك أن من أطلق على مصر أم الدنيا فهو لم يزدها شرفاً بقدر ما أجاد في وصف واقع الحال، مصر التي تواصل الحياة طيلة أربع وعشرين ساعة فوق الأربع والعشرين لكل يوم حتى تستطيع أن تلبّي الاحتياجات الأساسية لقاطنيها، في مصر ينتفي مفهوم التخصص في البيوع والشراء، فمثلاً المطعم الذي تأكل فيه بإمكانك أن تجد لديه كافة أصناف وأنواع الطعام ابتداء من الفول والطعمية الأكلة الشعبية الأولى، والكشري الأكلة الشعبية الثانية، والملوخية بالأرانب أو الفراخ، والحمام المحشي بالفريك وصولاً إلى موزة اللحم والمشاوي وطاجن الأرز باللبن وغيرها، تجدها كلها في نفس المطعم، تماماً كما هو الحال في المحلات التي تبيع كلّ شيء. فلا يوجد سلعة قابلة للبيع إلا وتجدها في أي محل تدخله.

عندما تسكن في وسط البلد في القاهرة فأنت تعيش وتمارس دوراً ضمن مسرحية كبرى مكتملة لكل شخص فيها دور يؤديه. وبإمكانك القيام بالدور ما أن تتفاعل أو تتواصل مع أحدهم، فالمصري بطبيعته شخص متواصل لا توجد لديه قيود أوحواجز أوحدود بينه وبين الآخرين ودون الالتفات للون أو عرق أو دين أو منبت أو جنسية. تلك هي المحروسة التي تقبلك بكل ما فيك شريطة أن تقبلها كما هي، فلا تحاول أن تجملها أو تقلل من تفاصيلها، إنها مصر التي لا تحتاج بعد ذكر الإسم لأية مكملات أخرى للتعريف أو الدخول بها.

حين تسير في شوارع القاهرة العتيقة، يكون التاريخ يسير بجانبك تماماً وأمامك وخلفك أيضاً، بنايات تفيض بحكايا من بنوها ومن سكنوها ومن مرّوا بجدرانها وأبوابها، كيف تسير في الجمالية ولا تقرأ تاريخ الفاطميين والمماليك الذين يملأون الساحة بأثيرهم وأرواحهم وكأنها تعيش بيننا.

حين سهرنا في مقهى صاحب السعادة لفت انتباهي أن الخلفية كانت للمسجد الأحمر، فيما كانت الأغاني تصدح من المقهى مع الشيشة المصرية الشهيرة، لوحة سريالية تنبئ كيف يمكن للمدينة الأم أن تحتضن الجميع دون تمييز ودون متطلبات مسبقة.

وحين سرت على ممشى أهل مصر الحديث الممتد على كورنيش النيل الجميل، شعرت كيف يمكن تلبية متطلبات الفرح بأشياءٍ بسيطة للغاية، قال لي أحدهم: في مصر أي المحروسة يستطيع أي إنسان أن يعيش بها دون أن يجوع، فمن لا يملك غير جنيه واحد يمكنه أن يجد طعاما به، ومن يملك الملايين يجد ما يناسب حالته.

حين زرتها قبل 15 عاماً كان التوجّس واضحاً، وحين زرتها ليلاً بعد 15 عاماً كانت الحيرة أكثر وضوحاً، وعندما زرتها ومكثت فيها ليالي، أحسست أنني بدأت أرى القاهرة المحروسة كما ينبغي. سلاماً للمحروسة وأهلها وضيوفها.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :