-

كتابنا

تاريخ النشر - 03-08-2023 10:22 AM     عدد المشاهدات 187    | عدد التعليقات 0

أم حمــاط .. بستــان الطبيعــة وروحهــا

الهاشمية نيوز - عبدالرحيم العرجان

بستان حماط يتوارى بتفرد بين شوامخ الشوبك من أرض أدوم، يتوه الكثيرون بينه وبين التين، يثمر ويجف ويتكاثر بمحض الطبيعة بإرادة الخالق بعيدا عن مرأى البشر وتطفل العابثين، والمسار يحقق رؤى وتوجيهات سيد البلاد حفظه الله ورعاه.

الهروب من الحر..

بسبب موجة الحر التي تجاوزت الأربعين بمختلف أرجاء المملكة اخترنا أن يكون مسارنا ظليلا بين طودين من سلسلة جبال الشراه بالشوبك وعلى مرأى النظر لوادي عربه للغرب من مطل الصفاحة، حيث كنا قد تواعدنا فيه مع أبناء المنطقة ليتم نقلنا لنقطة البداية بالقرب من مغارة أم العمد منجم النحاس العربي النبطي والأدومي التاريخي، ويعود إلى اكثر من 2200 عام خلت، حين كانوا أصحاب التجارة والزراعة والنقل والتعدين، وقد استقبلونا مع ساعات الصباح الأولى بفنجان قهوة بعد قيادة ثلاث ساعات على الطريق الصحراوي.

تجهزنا للمسار بأخذ ما يكفي من ماء وبعض الفواكه وأدوات احترافية للإنزال الجبلي من حزام حامل وحلقات تعلق، مع تأكيد قائد المسار بالالتزام وارتداء الخوذة طوال المسار، والذي يأكد ويحرص على كفاءة الأدوات وسلامتها قبل الانطلاق، بدأنا الدخول إلى الوادي والذي أخذ يضيق كلما تقدمنا عبر التضاريس وقد عملت بها الطبعية العديد من الأشكال والأخاديد السريالية اجتمعت فيها الألوات مترسبة من المعادن والأملاح، لنصل قمة الإنزال الأول والذي يشكل عائقا وتحديا لدخول الأشخاص غير المتمرسين إليه.

الإنزالات العشرة

تسلسلت الإنزالات بارتفاعات مختلفة والتي تحتاج لاستخدام الحبال بعد تثبيتها بمقاطع صخرية بعناية دون وجود لأي عائق بعد مرور فصل الشتاء الذي يترك بركا متسلسله يركد ماؤها بتجاويف المسار بين الصخور الضخمة، فما إن تفرغ من إنزال وتهبط بآخر يترسب فيه طمي زلق فيصعب من أي جانب ستخرج منها، الأمر الذي خلق منافسة بين أفراد المجموعة حتى لا نسقط مرة أخرى ونعود نكرر محاولة الخروج وصدى ضحكاتنا يتردد صداها في الوادي، وبات المكان يبادلنا الفرح ليعيد لنا ذاكرة برنامج الحصن بطرافة منافسيه.

أغلب المسار كان فوق صخور ولولبيات صقلتها مياه الشتاء والتي تأتي بغزاره منذ آلاف السنين من الشعاب أسفل مطل الصفاحة لتشكل مقاطع قوسية منفذة نهبط منها من فوق صخر ثابت أملس معظمها إنزال هوائي معلق دون ركائز، إلا من نقطة البداية الشبيهة بعنق الزجاجة، يليها انزلاقات صخرية تحتاج ليد العون عند نهايتها كالسحاسيل والإفعوانيات، ومنها ما كان يقذفنا لبرك غير عميقة وقاعها من الطين يخفف من حدّة الارتطام وتتعكر عند أول هبوط فيها.

الحماط،،، تين الوادي

وفي المساحات وبين شقوق الطود نبت فيه « الحماط» ما يشبه التين بالشكل إلا أنه من فصيلة التوتيات الذي يثمر فترة قصيرة أواخر الربيع، وفيه من الفوائد ما لا يحصى سواء أكان بورقه أو ثماره وصمغ خشبه، فهو غني بالبوتاسيوم الذي يعادل الضغط ونسبة الماء والسوائل بالجسم ويرفع نسبة المناعة وهو خير معقم للمعدة والأمعاء من الجراثيم، لا بل أثبتت الدراسات أنه يهاجم سرطان القولون، كما أنه مضاد للأكسدة فينظم نسبة الكولسترول بالدم وعلاج لتأخر الدورة الشهرية، كما ذكر بأمهات مراجع الطب البديل والموروث الشعبي القائم على التجربة وخير

ما نقول فيه أنه يعد ترياقا لأمراض العصر.

كانت استراحتنا الثانية في ظل مجموعة متشابكة من أشجار الشفاء، وفنجان قهوة، وقد أشعلنا النار بحذر وحرصنا على إطفائها حفاظا على النباتات المحيطة المعمرة بموطنها منذ عشرات السنين، وامتدت في الشقوق العالية منها ما جف ومنها بقي معلقا، وفوق مطل الإنزال العاشر والأخير والبالغ ارتفاعه اثنين وأربعين مترا تقريبا عامودي المسقط وفضاء الوادي أمامك يأخذك إلى مشهد الغروب وكيف تداخلت فيه ألوان الصخور وتعرجاته على هذا الارتفاع المهيب.

تتابعنا في الإنزال واحد تلو الآخر وقد استبقنا قائد الإستكشاف والسلامة موجهنا بتعليماته كون الإنزال يحتوي مقطعين، لنتحرر بعدها من الأربطة لنحزم أدواتنا بالحقائب استعدادا لمرحلة أخرى من المسير، متجهين نحو بلدة فينان عبر طريق ترابي شق بتضاريس صعبة، وقد توقف العمل فيه منذ سنوات.

ما بعد الغروب ..

وما بين انحناءات الطريق الملون من صلب جبال بلون السواد، وصخور بدرجات الزهري والقرميدي والأزرق التي عاد جزء منها لحاله الأول بذكاء الطبيعة وإرادتها بفعل السيول والإنهيارات وما ذرته الريح محملا من رمال الأفق البعيد الساحر للألباب، حين أخذ قرص الشمس يتوارى بوادي عربة مختلطا ما بين شواهق الجبال اكتست بالسمرة وأرض ذهبية الرمال وما بينها انسلت خيوط المغيب مشعلة السماء بشفق جميل اعتلاه زرقة ما قبل الظلام لتشعر بطاقة يصعب تفسيرها تبث فيك بسبب مكونات المكان البكر.

وما هي إلا دقائق حتى لاح هلال اليوم الثالث من محرم العربي وبثغرة سهيل تلاه كوكبة من نجوم السماء التي فتحت صفحتها ولا يظفر بها إلا من ابتعد عن أضواء المدن وضوضائها، وكيف أنارت لنا الطريق وتكيفت معها أعيننا دون الحاجة لاستخدام مصابيع إنارة إلا عند الضروره وبعض المقاطع والمنحنيات.

وبعد إتمامنا واحد وعشرين كلم، بلغنا نقطة النهايه بسلام واستقبال لآخر الأصدقاء من فينان كنا اتفقنا معهم على العشاء بمخيمهم البيئي « برية فينان» المحلي وإدارة المكان من قبل شباب عصامي طموح آثروا العمل بالطبيعة متمسكين بقريتهم وأملهم الكبير بسياحة المغامرة والاستكشاف ..

قضينا سهرة رائعة وتسامرنا الحديث والضحك وتناولنا عشاء زرب طيب المذاق أثارت رائحته شهيتنا وحظينا به بعد مسار متوسط الصعوبة، ترك على ثيابنا وحل البرك وبقلوبنا الكثير من الفرح والسعادة، هبطنا بالمسار من ارتفاع 1156م لغاية 263م، بأمكنه تتشابه بالتسمية ذاتها مع مواقع أخرى . فهناك بنواحي الكرك قرية أم حماط وبالقرب من عمان بلدة أم العمد وأيضا جبل الصفاحة البالغ ارتفاعه 1767 م والمدرج ضمن مسارات جبال دولة المغرب الشقيق وهناك الكثير من الأودية تعود لأسماء ما ينمو فيها من نباتات ومسميات تسبق الإعلام بأل التعريف.

رؤى جلالة الملك

ويبقى أن نقول إن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه، أوعز للمسؤولين أثناء زيارته إلى الشوبك بضرورة تنويع المنتج السياحي فيها وربطها مع المثلث الذهبي لإطالة مدة إقامة السائح وخلق فرص عمل للمجتمع وأهمية الاستفاده من برنامج

« إنهض» لإقامة المشاريع الصغيرة، ومن مسارنا هذا نأمل أن يكون فرصة إضافية لتحقيق رؤى وتوجيهات سيد البلاد أدامه الله.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :