-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 15-05-2023 10:29 AM     عدد المشاهدات 141    | عدد التعليقات 0

جرح الملح والزجاج

الهاشمية نيوز -
رمزي الغزوي


العرب ليسوا فنانين بذر الرماد في بحلقة العيون فقط، بل هم المبدعون في رش غيوم السكر على جثة الموت الباردة، لتحويلها إلى بوظة شهية تلطف قيظهم، وهم أصحاب امتياز في تدبيج التسميات والألقاب والنعوت، ولهذا سموا هزيمة أيار «نكبة»، وهزيمة حزيران «نكسة» في إشارة سابرة، أن هذه الحرب ليست إلا كبوة جواد، ما يلبث أن ينهض يكمل مسيرته المجيدة نحو السؤدد، وهذا ما ضاعف من هزائمنا وفاقمها ورتب عليها مزيدا من الخسائر، فإذا كانت مواجهة الهزيمة تتطلب أن تعترف بها أولاً، كما أشار ميكافلي في كتاب الأمير، فإن أمة العرب ضحكت على ذقن حالها. مصيبتنا أننا لا نسمي الأشياء بأسمائها.
رغم عقود مرت إلا أنني شعرت بأن هذه الهزيمة التي تتم عامها الخامس والسبعين في هذا اليوم إلا أنها ما زالت طازجة بصفحة التاريخ، لم يبرد طلق مخاضها، ولم يجفّ سيل دمها عن عقبيها، ولم تنكمش مشيمتها، ولم يهدأ نفث زفيرها وشهيقها الملتاع، طازجة أحسها كجرح مرشوش بالملح والزجاج المبروش، وربما شبنا قبل أواننا بكثير، وربما ولدنا شيوخاً بعكازات عوجاء، وربما ذبلت أفراحنا الخجلى تحت وطأتها، واحدودبت قاماتنا تحت أثقالها وأثافيها، لكنها ظلت طازجة وستظل طازجة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
وإذا كانت كل مصيبة تبدأ كبيرة وتضمحل شيئاً فشيئاً حتى تتلاشى وتندمل، إلا هزيمة نكبة 1948 فقد ولدت كبيرة، وازدادت ثقلاً مع كل دقيقة علقم تمر في ميناء ساعاتنا، وكلما قلنا ستزول سحابة الشوك هذه؛ تبرعمت حولها الهزائم، وخرجت من جنباتها فسائل الانكسارات، ولهذا فكلما دقَّ الكوز بجرة أيارنا؛ امتلأت وجوهنا دموعاً، وأجهشنا بالوجع حدَّ التراقي؛ فعسى الوجع يحزّ فينا جلداً، وعلَّ الألم يهزُّ فينا شَعراً بات شوكاً.
اليابان خسرت حربها، لكنها نهضت من كبوتها قوية مزدهرة، وكذلكم ألمانيا وتركيا وأيطاليا وغيرها من شعوب العالم، إلا نحن فهزيمتنا لا تتلاشى إلا لتكبر من جهة أخرى، ولا تذبل إلا لتتناسل إلى هزائم مبثوثة في كل الجنبات. فكم نكبة أو نكسة مرت بنا عقب أيار وحزيران وبلعناها، ولم تعلمنا شيئاً ولم نغادرها أو تغادرنا؟.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :