-

كتابنا

تاريخ النشر - 08-05-2023 11:09 AM     عدد المشاهدات 164    | عدد التعليقات 0

(خشة زريفة)

الهاشمية نيوز - د. أحمد عرفات الضاوي
(زغيرة) لكنها نظيفة. فيها قوس فراش وأربعة أيتام. مهذبون ومحبوبون. كل أطفال القرية يتجمعون في حوش «خشة زريفة». يلعبون بحرية ولم تتذمر يومًا من وجودهم. خشة لكنها واسعة، هي قبلة نساء القرية، يلجأن إليها في المواسم للمساعدة، تساعد مع أبنائها في خراطة الزيتون ولا تملك زيتونة واحدة. ويشارك أبناؤها الكبارُ الحصادينَ في القرية دون أن يطلب منهم أحد ذلك، يعملون صامتين ويعودون صامتين. لم تشترط زريفة على أحد شيئًا ولا أولادها. تُكافأ بالقليل من زيت الزيتون وتقبله رغم أن معظمه من (الطرطب). وتقبل بقايا قمح البيدر الذي يٌخالطه القصل والزوان، هو في الواقع خُصّص ليكون علفًا للدجاج، تجمعه ليصبح كيسًا. تمضي النهار وهي تستل حبات القمح القليلة من هذا الخليط الذي زهِد فيه أهل القرية وقدَّموه أجرة لها ولأبنائها، تضع إبراهيم ابنها الصغير في (الحذل) المربوط بحبل صغير، زريفة هي المرأة الوحيدة التي تعمل ثلاثة أشياء في وقت واحد. تربط حبل الحذل بإصبع رجلها الكبير. وتجذب به الحبل ليتحرك ويسكت الصغير، وفي الوقت ذاته تنكب على خليط الزوان والقمح لا تكل وتمضي نهارها بهذا العمل، لتكون حصيلة هذا العمل طوال النهار صاع قمح، وبجانبها (مطراق) دجاج طويل تهش به الدجاج المتطفل على مونتها تبتسم زريفة عندما يخدعها الدجاج فيأتيها من جهتين ويختطف حبات قليله من قليلها، لم أر زريفة في يوم عابسة أو غاضبة، كانت ابتسامتها لا تفارقها. لم أر في خشة زريفة إلا طنجرة ألمنيوم. غالبا ما توضع في زاوية في الخشة عليها غطاء ليس لها مثل غطاء الطابون ولكنه ملائم لحجم طنجرتها، يأكل الأولاد من الطنجرة مباشره، إمّا عدسًا وإما خبيزة، ويأكل معهم من يكون حاضرًا من أبناء الجيران الذين لا يخجلون ولا يترددون بل يتشاجرون مع أبناء زريفة، فتبتسم زريفة! ولا تعترض بل تفزع لأولاد الجيران وتقرّع أبناءها. أكلتُ من طنجرة زريفة وزاحمتُ أولادها وكأني واحد من عائلتها، لم أذق طعامًا الذ من طبيخ زريفة، أولاد القرية يذهبون إلى بيت زريفة يلعبون في حوش الخشة، ويتسلقون سطحها المنخفض، ولكني لم أر أولادها في أي بيت من بيوت القرية، ولم أر أحدًا يعاملهم كما تعامل زريفة أبناءَهم، زريفة كانت موجودة في كل قرية وربما في كل مدينة.
بعد الاحتلال عام 67 اختفى ولدان من أبناء زريفة. وبقي لها ولدان، الأوَّلان استشهدا، والآخران كفَّناها ومشيا في جنازتها. زريفة كانت عادلة. أعطت نصف أولادها للوطن الذي أطعمها الزوان والطرطب. واستبقت اثنين ليرافقاها إلى مثواها الأخير.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :