-

كتابنا

تاريخ النشر - 11-04-2023 10:57 AM     عدد المشاهدات 279    | عدد التعليقات 0

الراهن الثقافي وفِقه الماضي

الهاشمية نيوز - محمد العامري
يدعونا الراهن الثقافي اليوم وبشكل مُلِح إلى ضرورات إعادة النظر بمفاهيم كثيرة بما يختص بالتراث الذي تحوّل إلى أيقونة مقدسة لا ينبغي المساس أو الاقتراب منها، مما أدى إلى تعطيل السجالٍ الثقافيّ الحر وإعفاء السؤال المعرفي من مهماته المعاصرة، مما أدى إلى إنتاج تشوهات عميقة في وجودنا المجتمعي وما يجتاحه من مسلمات باتت صدئة وما زالت تتحرك في مفاصل حياته العرجاء.
فما نحتاجه الآن وبصورة مستعجلة هو إذكاء روح الفكر الفلسفي في مجتمعات غيبتها منظومات ماضوية لم تزل تعيش في مفاصله ويومه، وأصبحت مرتهنة لسلوكيات تصلح لفترة ما قبل العجلة وإسهاماتها في تحولات الزمن، الماضي الذي لم يزل يمشي على قدم واحدة.
فقد عانت الحداثة العربية من أفكار أقرب إلى «التابو» المعرفي حتى فيما يخص الشكل الإبداعي وتجلياته المتجددة، فعلى صعيد كتابة الشعر ارتهنت المنظومة الثقافية إلى قيود الخليل بن احمد الفراهيدي الذي قام بوزن ما وجده من نصوص بغض النظر عن كاتبها وشكوك طه حسين في ذلك، فما أنتج من نصوص قبل الإسلام كان عظيما في سياقه المجتمعي وروافعه النقدية التي بدأت شفاهية ومن ثم تم تحبيرها على أساس أنها النموذج الأمثل لحركة النقد والكتابة، فما زال السؤال الإبداعي مقيدا بمنظومات ماضوية سَرَتْ في دماء مناهجنا التي تعتز للأسف بثباتها وجمودها كجز من الإخلاص غير المسبوق لماض كان له مبرراته، ولم يعد صالحا في عصر الذكاء الصناعي وتحولات اختصار الزمن المشفوع بالإتقان.
فهناك ظمأ خائف تجاه التجديد وتجاوز الماضي الشكلي وتوجهاته، مما أدى إلى عجز النص العربي باللحاق بركب التجديد والتجدد من صلبه وجوهره بكونه ارتهن لمورثات فقهية ساهمت في تعطيل السؤال المعرفي الحر والانعتاق من ثقل الفقهيات الثابتة، بل أرتهن إلى ما أنتجته الكولنيالية الغربية فيما يخص طبائع عيشه وحركته في الحياة في شتى المجالات وصولا إلى المنظومة الغذائية والصحية.
تماما كمن يغمّس خارج الصحن.
وما ذهب إليه فوكو فيما يخص السلطة بقوله:»ميكروفيزياء السلطة»، أي علاقات القوة الأولية، التي تنشأ من العلاقات التواصلية / التفاصلية المتبادلة بين الأفراد والجماعات، ونقاطها المبثوثة في الجسم الاجتماعي، من جهة، وجنيالوجيا المعرفة»، وهذا ما نلمسه في تغول السلطة المجتمعية على قيم الحياة والحريات في التفكير ومحاولات التجاوز التي فشلت في معظمها لتجاوز تلك السلطة، من سيادة تقاليد شكلت ضاغطا قويا على المفاهيم القانونية والمدنية.
وبتنا أمام مواجهة كامنة بين الأفراد والجماعات «القطيع» ومقاومتها كضرورية حياتية مبنية على المساواة والعدالة وتحرير، وإلا فلا تحسّن ولا تقدّم. وعي ضرورة السلطة هو شرط مقاومتها، من أجل إعادة بنائها على مبادئ المساواة والحرية والعدالة، ولكي لا تفضي مقاومتها إلى الفوضى لا بد من تأهيل المنهاج التربوي والحزبي لذلك.
فلم نمتلك بعد حيوات التجديد الأصيلة المبنية على حرية المبدع والمخيلة والتخلص من روزنامة الماضي المجتمعية التي تجثم على صدورنا.
وإن كان الخطاب السياسي المتطور من ضرورات الحياة الآن فالأجدى أن يترافق مع تحديث المنظومة الثقافية بوصفها الرافعة العميقة للفكر السياسي والاقتصادي وصولا إلى عقل الدولة، والذي يقودنا بالضرورة إلى فهم واقع المجتمعات والعالم معا.
لا أفهم البتة منظومة تربوية مرفوعة منها الفلسفة وتجلياتها المعرفية فيما يخص السؤال الكوني والمعرفي، وما زلنا نرزح تحت وطأة التلقين وحجب العقل عن التفكير الحر، مما أدى إلى تقليدية الإدارة المعرفية والسياسية وصولا إلى إدارة الاقتصاد وتجلياته الجديدة التي تعتمد المعلومات المتجددة بدلالات أرقامها بعيدا عن ممارسات تعكس ضلالات تكرست لدى الفرد، حيث تكشفت تلك الضلالات ببطء شديد لدى الفرد العربي عبر تكرار السلوكيات الزائفة، فما زلنا نمتدح ماضوية عميقة في الذات كجزء من التفكير الجمعي والذي شكل خطرا داهما على تطوير الذات المدنية ومتطلباتها الجديدة.
لم تدرك الدهماء الماكثة في الماضوية البعيدة ما رشح عن الكولونيالية الأوروبية الحديثة التي نجحت في تسخير التكنولوجيا المتقدمة للسيطرة عن بعد على الشعوب الأخرى المجرورة نجو الماضي، في ظل متطلبات اختصار الزمن وتمجيد السرعة المتقنة في وجودها في أي مكان تريد.
والأمر نفسه ينطلي على الثقافة المتكلسة في مفاصل الكتب الصفراء كسياق له علاقة بالقومية الواهمة، القومية التي تفككت أواصرها كنتيجة طبيعية للخلافات السياسية والمواقف المتباينة في قضايا محورية.
ورغم الانقلابات الفكرية التي اجتاحت الثقافة المعاصرة إلا أننا ما زلنا نواجه معطلات بائدة بحجة القيم والتقاليد التي في أصولها لا تؤمن بالتغيير الإيجابي وما تقتضيه تلك التحولات من تبديل في طبيعة المعاملات والقوانين والحقوق والواجبات. فصارت الأغلاط التي ورثناها في الكتب التي لم يتم تحديثها ومراجعتها دستورنا الأمل، كمن يمشي بعكازتين ينخرهما السوس، والمكوث في مخيلة الماضي التليد في مناهجنا وطرائق إيصال المعلومة، بعيدا عن الذكاء الصناعي الذي تجاوز إلى حد بعيد ميكانيكا الجسد وقدراته الإنتاجية، ورغم أننا نشهد تحولات كبيرة في الثقافة العربية لكنها لم تزل تفتقد للسياق والمنْهجة، كأننا أما صراع مرير بين زمنين الحاضر السريع والمتطور والماضي البعيد بمخيلته المتكلسة.
وما نلمسه من المؤسسات الرسمية ما زالت تتعامل مع الثقافة بكونها فترينا للحكومة كجزء من المشهد الكرنفالي، وينعكس ذلك في جدية التعامل مع ميزانيات الثقافة التي تعاني كثيرا من قلة الموارد مما يؤثر على تطبيق رؤيتها واستراتيجياتها المكتوبة، وقد لمسنا كم نحن بحاجة على الثقافة ومدياتها التوعوية في مسألتين مسألة كورونا والتطرف الذي اجتاح معظم البلدان العربية.
في نهاية الأمر لا بد من إعطاء الثقافة القيمة العليا في أولويات الدولة كصورة لها مخرجاتها الفاعلة في المجتمعات المدنية، والتي ستفرز حتما مناطق حيوية للتجديد وتغيير الخطاب الذي لا يتماشى مع حركة العالم في شتى المجالات.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :