لا تتوقع أكثر مما فعلته أنت

الهاشمية نيوز -
د. ماجد الخواجا

هل تعرف ماذا سيحدث عند وفاتك وبعد جنازتك في غضون ساعات قليلة ؟

سوف يهدأ البكاء وستكون عائلتك مشغولة في إعداد الطعام والشراب ، بعض أقاربك سيبدأون مناقشة الأحداث الجارية، وهم يشربون القهوة ويتناولون التمر.والبعض المقرّب منك سيعتنون بطقوس العزاءوالصيوان والقهوة وعدد الكراسي. هناك من سينتهز الفرصة ليرى من سيأتي للعزاء ومن سيغيب.

الأطفال يتراكضون في فرح بريء لأن هذه مناسبة يمكن لهم أن يمارسوا شغبهم فيها بحرية. أحدهم سينتهز الفرصة فينشر صورا للعزاء ويبدأ في اختلاس النظر إلى عدد التعليقات والإعجابات الحزينة، وقد ينتظر مرور ذاك المسؤول أو تلك الوزيرة. ربما يفكر أحد أبناؤك بكيفية تدبير متطلبات العزاء بأقل ما يمكن من المال. وسيتصل بعض الناس بأسرتك لإخبارهم انهم لا يستطيعون الحضور شخصيا لأن لديهم مشاغل وأولويات وهناك من سيمتعض لوفاتك في وقت غير مناسب له. وغيره سينزعج من حالة الطقس أثناء دفنك

فيما هناك من يفكر في احتلال موقعك بعد وفاتك، وقد يكون من ورثتك من شرع في احتساب وتوزيع التركة قبل أن توارى الثرى. ربما سيفرح أحدهم بوفاتك لاعتقاده أنك سبب عدم ترقيته.حتى ستجد من يحسدك على جنازتك إذا حضرها عدد غفير. بالتأكيد هناك من سيحزن عليك للحظات قد تمتد في أحسن حالاتها لفترة وجيزة وتصبح جزءا من الذكريات.

رب عملك سيبدأ البحث عن من يحل مكانك في الشغل ، في أيام قليلة سيعود أولادك الى العمل لأن إجازة عملهم انتهت . بعد شهر سوف تشاهد زوجتك كوميديا على شاشة التلفزيون وتبدأ في الضحك.

سوف تنسىبوتيرة مذهلة.

ماذا أيضاً: هناك من سيشغل فكره في اللحوم إن كانت بلدية أم لا، وفي الجميد إن كان كركي أن لا، وفي الأرز إن كانت جودته عالية أم لا.

هناك من سيفكر في المسافة التي سيقطعها للوصول إلى العزاء، وكمية البنزين التي تحتاجها السيارة. وغيره سيبدي انزعاجه من توقيت العزاء لأنه يتعارض مع موعد الجيم.

إذا كان الناس سينسوك بهذه السهولة، إذن لمن كنت تعيش حياتك؟

لقدقضيت حياتك كلها في القلق ، حول ما سيفكر فيه الناس عنك. إنهم لا يكترثون حتى فيما تفكر فيه

لذا عش حياتك. من أجلك أنت، وعشها لأجلهم لكن لا تتوقع أن تأخذ أكثر من ذلك.

هذه هي الحياة بتجلياتها ونهاياتها التي لن تخرج عن أكثر مما ذكرناه أعلاه.

لكن !! هو الإنسان الذي خلقه الله في كبد ومعاناة من اجل أن يعيش الحياة بكلّ تفاصيلها وأحلامها وعذاباتها.

لهذا فالرحمة دائماً تكون أكبر وأوسع وأشمل عند الآباء منها عند الأبناء، ولو كانت غير ذلك لما استقرت الحياة على حال، ولما اعتنى أب بإبنه وعائلته، فالإنسان وهو يؤدي عمله وواجباته تجاه عائلته ومجتمعه وعمله، إنما يكون في حينها يؤدي ما يبهج النفس ويلبّي الحاجة عند الشخص ذاته.

لكن المستفاد والعبرة من تلك النهايات، هو أن يعيش الإنسان لذاته أولاً، وأن يحقق رغباته وحاجاته ويقوّي إمكاناته، حينها يستطيع أن يؤدي أدواره في الحياة ولا ينتظر أي مردود سوى شيء بسيط من العرفان يلوح في ذاكرة بعض المرتبطين به.