-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 20-03-2023 08:32 PM     عدد المشاهدات 209    | عدد التعليقات 0

التغيرات العالمية متواصلة .. الصين والسعودية وإيران

الهاشمية نيوز - الدكتور إبراهيم بدران

(1)
جاء إعلان بيجين بحضور وزراء خارجية السعودية وإيران والصين مفاجأة للكثيرين. وتلاه إعلان إيران والإمارات على تبادل السفراء. وكانت المفاجأة مزدوجة وخاصة لأميركا كما صرح ترامب. أولا أن يحدث الأمر في الصين (وليس جنيف أو واشنطن)، وثانيا أن يكون الإعلان بمثابة حدث دولي يؤكد قطبية الصين، ولم تعد أميركا هي القطب الأوحد. وحقيقة الأمر أن ظهور الصين كقطب دولي أمر طبيعي، بعد القفزات الاقتصادية والنجاحات التكنولوجية والإبداعية التي حققتها خلال الأربعين سنة الماضية. فبعد ان كان الناتج المحلي الصيني عام 1980 لا يتعدى 191 بليون دولار، تضاعف خلال 40 عاما 96 ضعفا ليصل 1.8 ترليون دولار عام 2022 ليكون الثاني في العالم بعد الاقتصاد الأميركي. فالذي أهل أميركا كقطب أوحد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، هي تلك النجاحات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية التي حققتها وسبقت فيها دول العالم على مدى سنوات. وبالتالي فإن التحولات في العالم ليست فجائية وانما هي نتيجة للتغيرات التصاعدية التي تطورها الدول وعمودها الفقري التحولات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والتي بدورها تصنع القدرة العسكرية.. وهناك دول تسير على هذا الطريق بسرعة مثل الهند والبرازيل وروسيا. ولعل الدعم المفرط الذي تقدمه أميركا لأوكرانيا في حربها مع روسيا هدفه بالدرجة الأولى استنزاف الاقتصاد والامكانات الروسية حتى لا تستطيع تعويضها قبل عشرين سنة من اليوم.
(2)
إن الاتفاق على عودة العلاقات بين إيران والسعودية لا يعني ان الخلافات المعقدة بينهما قد تم تسويتها. فتوقيع اي اتفاق أو وثيقة يمثل خطوة أولى نحو حل الخلافات والوصول إلى الأهداف. وتعتمد النتائج على الكيفية التي تدار بها الاتفاقية من كلا الطرفين.
إن الدول الثلاث الصين والسعودية وإيران، لكل منها مصالح إستراتيجية في إنهاء النزاع وعودة العلاقات إلى التعاون وحسن الجوار. فالصين باعتبارها أكبر دول العالم استهلاكا للنفط الخام تستورد 10.3 مليون برميل يوميا، منها 1.2 من إيران و 1.8 من السعودية أي ما يعادل 30 % من احتياجاتها من كلا البلدين. والدولتان هما من أعضاء أوبك الرئيسيين إضافة إلى روسيا. ومن الضروري للصين استقرار هذين المصدرين وذلك تحسباً لأي تدخلات أميركية. وتصدر إيران إلى الصين ما يزيد على 14 مليار دولار من النفط وغيره في حين تصدر الصين 8 مليارات دولار من السلع إلى إيران. وقد وقعت الصين مع إيران اتفاقيات لمشاريع بقيمة 400 مليار دولار لمدة 25 سنة لم ينفذ منها سوى 380 مليون دولار حتى اليوم. أما حجم التجارة بين السعودية والصين فتتعدى 332 مليار دولار بالاتجاهين.
وإذا نجحت الصين بدبلوماسيتها الناعمة في المساعدة في حل الخلافات فعلاً بين إيران والسعودية (بما في ذلك إنهاء الحرب في اليمن) فإن منطقة الخليج والعراق والجزيرة العربية ستكون في وضع أفضل لاستقبال المزيد من البضائع والخدمات والمشاريع الصينية الضخمة التي يمكن أن تساهم الصين في بنائها بمئات المليارات. كما أن تصالح المنطقة سيكون تمهيداً جيداً لنجاح مشروع طريق الحرير الذي تطمح الصين إلى إنجازه والوصول إلى أوروبا عبر المنطقة العربية وإيران.
وحتى ينجح تطبيق الاتفاق فلا بد من قناعة القيادة في إيران ان التوسع السياسي والعسكري من خلال المليشيات في العراق وسورية واليمن ولبنان وغيرها (والتي تكلف إيران 7 مليارات دولار سنويا)، وأن تصدير الثورة وخلق مناطق نفوذ على حساب معيشة الشعب الإيراني لن يحقق لها لا الازدهار ولا الاستقرار الذي أصبح يتطلع إليه الإيرانيون، والذي لا يتعدى دخل الفرد منهم 4000 دولار سنوياً. كما ان الاتفاق على انهاء الحرب اليمنية بتكاليفها الإنسانية والعمرانية الباهظة من شأنه ان يعطى السعودية الفرصة الأفضل لتنفيذ الرؤية الاقتصادية الطموحة السعودية 2030.
من جهة أخرى قد يكون هذا الاتفاق حافزاً للوصول إلى اتفاق بين أميركا وإيران حول المسألة النووية، وعودة العمل بالاتفاقية التي أوقفها ترامب عام 2018.
(3)
كانت إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي استنكرت التقارب الدبلوماسي السعودي الإيراني، رغم أن الولايات المتحدة، “راعية إسرائيل وحارسها الشخصي”، أبدت نوعا من التفاؤل الحذر باعلان بيجين وبدء صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين تقوم على حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. انزعجت بل وصدمت إسرائيل لأن القطيعة بين السعودية وإيران والصراعات بينهما كانت الستارة التي تلف إسرائيل بها قصصها حول التخويف بالتهديد الإيراني لدول الخليج، وان لا خلاص من هذا التهديد إلا بالتحالف مع إسرائيل. فهي ومن ورائها أميركا الخادم المطيع تستطيع ان تضرب إيران في أي وقت. ومن المتوقع أن تعمل إسرائيل وحلفاؤها، وخاصة بريطانيا، على إفشال هذه المسيرة بشتى الوسائل.
ومن منظور اقتصادي إستراتيجي ترى إسرائيل أن حل الخلافات بين السعودية وإيران، وعودة الخليج العربي إلى حالة طبيعية من الهدوء وحسن الجوار من شأنه ان يفسد “المشروع الإسرائيلي الكبير الهادف إلى السيطرة الاقتصادية” من خلال ربط اقتصادات الخليج بإسرائيل عن طريق بناء خط سكة حديد ومنظومة أنابيب للنفط والغاز تمتد من الخليج عبر السعودية والأردن إلى ميناء حيفا أو أسدود على البحر المتوسط، وبالتالي إلغاء الأهمية الإستراتيجية واللوجستية للخليج العربي ومضيق هرمز بعد التدمير الغامض الفاعل لميناء بيروت. كما أن هذا الاتفاق من شأنه إذا استكمل متطلباته وأهمها تغيير الرؤية الإيرانية للمنطقة العربية من منطقة نفوذ إلى دول صديقة تستحق حسن الجوار، من شأنه أن يتيح الفرصة لكل من العراق وسورية ولبنان أن تعيد تماسكها وتخرج من النزاعات الطائفية الصريحة والخفية والتدخلات الخارجية، وهو ما لا تريده إسرائيل أبدا. إذ “أن تفكيك كل من سورية والعراق وإضعاف لبنان كان الانتصار الإستراتيجي الأكبر الذي حققته إسرائيل بالتشارك مع أميركا وبريطانيا وآخرين”. وتحرص على أن لا تخسره اليوم أو غدا. وهذا يفسر سر الغضب الإسرائيلي تجاه إعلان بيجين.

(4)
أما الولايات المتحدة الأميركية فهي في مرحلة “عدم اليقين”. هل سيعزز هذا التصالح إذا تحقق موقع الصين الدولي والاقليمي، ويساعد على إنجاح مشروع طريق الحرير لتصبح الصين لاعباً رئيساً في اقتصادات المنطقة العربية بل وأوروبا؟ وعلى حساب النفوذ الأميركي؟ أم أنه سينهي الضغط الصهيوني المتواصل والمتصاعد لدفع أميركا للتورط في ضرب إيران على غرار ما فعل شارون بدفع جورج بوش الابن للتورط في غزو العراق عام 2003؟، أم هل سيكون ذلك بداية للتوافق الإيراني الأميركي مرة ثانية بعقد اتفاق نووي من جهة، وتخفيف الضغط على المصادر النفطية في كل من أميركا والسعودية؟ وبذا يمكن التركيز على إنهاك روسيا اقتصادياً وعسكرياً والعمل على اختراق أفريقيا. وهل سيكون إبقاء الخليج غير مستقر، كما تريد إسرائيل، سيدفع إلى تشكيل تحالف صيني إيراني روسي يزعزع التوازن الإستراتيجي في غرب آسيا بكاملها؟ وهل سيساعد هدوء الخليج وانتهاء حرب اليمن أميركا على التركيز على مواجهة الصين في شرق وجنوب آسيا؟ أسئلة كثيرة تدور في سراديب الدولة العميقة في أميركا.
(5)
أما المنطقة العربية فيمكنها الإفادة من هذا التقارب إذا تيقنت القيادات أن فرص التعاون الدائم هي أفضل من استثمار الخلافات بين الدول لتحقيق مكاسب هنا وهناك. كما أن استعادة الجامعة العربية لنشاطاتها يصبح متاحاً بدون عوائق. إن هدوء الخليج وانتهاء حرب اليمن سيتيح فرصة أفضل للمسألة الفلسطينية لتسترجع أهميتها العربية من جديد، وتتيح الفرصة للدعم الإيراني ليتحول من دعم فصيل معين إلى دعم الموضوع الفلسطيني بأكمله، وهو ما لا تريده إسرائيل.
وبالنسبة لنا في الأردن فإن استقرار المنطقة وإنهاء النزاعات والتوترات يساعد على تسريع تطوير بيئة التحديث والاستثمار، ويمكن كلاً من سورية ولبنان والعراق من الاستقرار في الأبعاد السياسية والاقتصادية. إن إنهاء الخلافات الإيرانية السعودية لها أكبر الأثر على الأوضاع في لبنان بعد أن تراجعت إلى مستوى هو الأدنى في تاريخ لبنان والمنطقة.
العبرة ليس في الاتفاق الأولي ولكن في كيف يمكن تفعيل الاتفاق لئلا يتراجع، والتحدي كيف يمكن تفويت الفرص على إسرائيل وأعوانها من إفساد مسيرة التوافق. ما الذي يمكن أن تقدمه الدول العربية لإيران لدفعها في الاتجاه المنشود؟ هل ستكون هناك دبلوماسية عربية نشطة يشارك فيها الصف الثاني من السياسيين والأكاديميين والمفكرين والاقتصاديين بهدوء كامل لتغيير الرؤية الإيرانية وتحريكها باتجاه حسن الجوار بدلاً من تصدير الثورة، والتعاون المشترك بدلاً من النفوذ العالي الكلفة؟ تلك هي المسألة والجانب العربي عليه العمل بالاتجاه الصحيح



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :