-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 20-03-2023 11:04 AM     عدد المشاهدات 186    | عدد التعليقات 0

الجنون والسعادة

الهاشمية نيوز -

رمزي الغزوي


يُدرجُ الدستور الأمريكي «حق السعي في الحصول على السعادة» بالتوازي التام مع حق المواطن في الحياة والحرية. وحينما تشكّل الاتحاد الأوربي اختاروا نشيدا خاصا به يتمثل في مقطوعة من السمفونية التاسعة لبتهوفن استلهمها من قصيدة فريدريش شيلر «إلى السعادة»، وهي بذائقتي الخاصة من أجمل المقطوعات الموسيقية في الإرث الإنساني.
أتذكر هذين الشيئين بمناسبة احتفال الأمم المتحدة بيوم السعادة العالمي، وأتذكر أيضا ما أعلنه مركز الدراسات الاستراتيجية قبل سنتين من أن غالبية الأردنيين لا يعتقدون أنهم مجتمع سعيد، فيما أغلبهم يصفون أنفسهم بالسعداء. هذه الحالة العجيبة لا يمكنك أن تقرأها إلا إذا أخذت في حسبانك أننا مفصومون، تتلبسنا حالة من ضياع ضائع مضيّع.
بعيدا عن الانفصام ومظاهره أشير إلى أن الهدف الأسمى لكل حكومة أن تعمل على إسعاد رعاياها. هذا هو أصل الأشياء، حتى ولو لم يكن حق السعادة مذكورا في دساتير بلاد تلك الحكومات. وسبق وراينا حكومة في الشرق الأوسط استحدثت وزارة للسعادة يقوم عليها وزير يوائم بين أعمال الوزارات والهيئات لخلق أسباب سعادة المواطنين.
لا أتصور أن نصل إلى مرحلة استحداث وزارة أو شعبة في دائرة للسعادة وشؤون تحقيقها. وعليه أقترح أن يغدو كل واحد منا وزير نفسه لشؤون سعادتها. كن وزيرا لسعادة نفسك بكامل ما للوزير من سلطات. لا تنتظر من أحد أن يعد لك كعكة السعادة. اصنعها في مطبخ نفسك.
أرى السعادة حالة فردية شخصية، أكثر مما تكون حالة عامة تقيسها أسئلة هاتفية مباشرة كما في استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز الدراسات. هي قرار شخصي قبل كل شيء لا ترتبط بالماديات والملذات، ولا بالغنى أو الفقر، إنما تكون أقرب إلى الروحانيات.
في الصف السادس الأساسي شرح لنا معلم العلوم مفهوم الضغط الجوي بأنه وزن عمود الهواء، فوق منطقة معينة، وبسببه نشعر بثقل كبير على طبلات آذاننا إذا ما نزلنا إلى منطقة منخفضة عن سطح البحر.
في ربيع تلك السنة اشتركت في رحلة مدرسية انحدرت من جبال عجلون إلى كريمة في الأغوار. ويبدو أنني ألصقت خدي بزجاج شباك الحافلة واندغت متأملاً خضرة الأفق، وبيارات الموز، ونوّار البرتقال، وزهور البسباس؛ فباغتني معلم العلوم بسؤال سريع: ماذا تشعر الآن يا رمزي؟!. وربما قصد أن يذكرنا بموضوع الضغط الجوي، إلا أن قلت بلسان طلق دون تفكير «أشعر بالسعادة».
في هذا اليوم يبدو أنه من الجنون أن تقول إنك سعيد، غير شاعر بثقل أعمدة الخواء والغلاء والبلاء على رأسك وطبلة أذنك وشبكية عينيك وكريات دمك الحمراء والبيضاء. والأكثر جنوناً أن تدخل يومك مقرراً أن تعيشه بسعادة دون أن تلقي بالاً لكل من يتربّص بك، أو بما يواجهك من تحديات وضغوط. والأهم أن الجنون متاح في كل الأوقات.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :