-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 13-02-2023 10:28 AM     عدد المشاهدات 241    | عدد التعليقات 0

الحياة في الركام

الهاشمية نيوز -
رمزي الغزوي

بعض الشعوب البدائية كانت تفسّر حدوث الزلازل بطريقة فنتازية مضحكة. فالأرض باعتقادهم محمولة على قرن ثور قوي يجري ماخرا عباب الفضاء لاهثا نافثا زفيره الساخن، وكأنه في ميدان سباق لا خط نهاية له. لكن هذا الثور حين كان يشعر بالوهن والتعب ويريد أن يريح قرنه، فإنه يقذف كرة الأرض إلى أعلى؛ لتسقط مستقرة على رأس قرنه فيشعر سكان الكوكب المسكين بالاهتزاز والرجرجة المخيفة التي نسميها زلزالا.

تذكرت الأسطورة العجيبة هذه بعد شيوع ظلال عديدة لنظرية المؤامرة في تفسير حدوث الزلزال اللعين الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا الأسبوع الماضي وقتل وجرح وشرد مئات الآلاف. فيبدو أن البعض لا يتقن إلا العزف على وتر هذه الربابة متحديا نفسه بتغييب عقله وتفكيره حين يرضى بترديد أفكار أكثر غرابة وعجبا من حكاية الثور وقرنه المتعب، مع أن باستطاعة الجميع أن ينالوا المعلومة العلمية الصحيحة بكل سهولة.

بعيدا عن هذا ما زال يحزنني الإنسان حين يتولاه جبروت الطبيعة ويحيله إلى عدد أصم في قوائم الموتى في الجوائح والنوائح مرة، وفي النكبات والكوارث الطبيعية مرات ومرات. الإنسان رغم عنفوانه وغروره ضعيف كورقة في مهب الخريف، وقد تبدو الحياة بهشاشة بيت متهالك لحسه الزلزال.

ويحزنني أكثر أن يجد الواحد نفسه عاجزا عن فعل أي شيء لهؤلاء البشر المكلومين بعد إذ صارت بيوتهم أكفانا وقبورا في رمشة عين أو أدنى. مما يجعلنا نرجع البصر كرتين وأكثر؛ لنفكر في حياتنا ومعناها وجدواها.

مع كل هذا لألم والفقد والبؤس يبهجني شيء صغير. فأن يخرج ناجون من تحت الأنقاض بعد أسبوع من الكارثة يجعلنا نؤمن أن الحياة مثابرة صامدة تستحق أن تعاش وتحيا، وتستحق أن نرنو إليها بكل أمل وتفاؤل. فأي شيء يفرح في هذا الجو المكفهر أكثر من أن يخرج رضيع عمره سبعة أشهر من بين الأنقاض سالما معافى. الحياة قوية.

يبقى أن العالم لم يسع لمساعدة المنكوبين سعيه للحروب والتعبئة والتجييش. وهذا يجعلني أتساءل لماذا لا يكون ثمة جيش عالمي مجهز في قارات العالم للمساعدة في مثل هذه النكبات والويلات متخطيا كل الاعتبرات الطبقية والسياسية، فالتمييز واضح بين منكوب ومنكوب، وثمة عائلات كثيرة ظلت ملازمة لبيوتها المتهدمة بانتظار أن يتم إخراج أبنائهم المستنجدين من تحت الركام.

لماذ لا تغيب في الكوارث كل الفروقات والخلافات السياسية وتحضر حقيقة واحدة فقط، هي الحياة وصراعها المرير مع الموت.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :