-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 30-01-2023 09:48 AM     عدد المشاهدات 279    | عدد التعليقات 0

الاستسقاء قولا والاستمطارعملا ..

الهاشمية نيوز -
بشار جرار

عجيب أمر الإنسان في اختلاف وجهات نظره في نعم الله التي لا تحصى ومنها المطر. كم كان يثير دهشتي وأحيانا امتعاضي من تذمر الإنجليز مثلا، من هطول المطر. يقولون إن السماء تمطر «قططا وكلابا» من القرن السابع عشر ليتضح أن أصل هذه العبارة الغريبة، يوناني «كاتا دوكسا» وتعني أي شيء خارج عن المألوف!

شاءت الأقدار أن أعبر إلى الضفة المقابلة من الأطلسي إلى أحد أكثر ولايات أمريكا مطرا ومياها وخضرة، فيرجينيا لأتعرف على نوع آخر من التذمّر على مدى فصول السنة الأربعة وليس الشتاء فقط أو آخر الصيف وخلال الخريف كما في الأردن الحبيب وسائر مشرقنا العظيم.

لا أذيع سرا إن قلت أن كثيرا من أصحاب التفسير الروحي أو ما وراء الطبيعة لهطول المطر يتساءلون عن هذا السخاء في أمريكا وأوروبا، مقابل ما تضن السماء فيه أحيانا على أراضينا العطشى. هكذا حتى علت الشكاوى من تدهور البيئة في جميع جوانبها وليس المائي فقط. انخفاض المعدلات المطرية وارتفاع نسب التبخر في المسطحات المائية بأنواعها صار تحديا حقيقيا بلغ حد الأمن القومي وليس الغذائي أو الصحي فقط، هنا في أمريكا.

منذ القدم، وعلى اختلاف الحضارات والأديان، لم تنقطع صلة الإنسان بالخالق وبالطبيعة. بعضها ركز قوله وعمله على الطبيعة وحدها، والبعض الآخر -ونحن منهم والحمد لله- نؤمن بأن خالقنا العظيم الحكيم الرحيم هو المسيطر وضابط الكل..

نرفع أكف التضرع له سبحانه دائما وليس عند انحباس الأمطار فقط. والخيرة فيمن يشمر السواعد بعد رفع الأكف وحتى قبلها..

من رحمة الله ببلادنا ومنطقتنا، الوسطية والاعتدال. لا تجد أربعة فصول في أربع وعشرين ساعة كما هي الحال في كثير من دول العالم. ثمة حكمة ربانية في التذكير الدائم للإنسان بربط مصيره بربه. هو وحده المغيث سبحانه. وهذا النمط في اختلاف التضاريس على نحو مذهل ينطوي على حكم جليلة. لطالما عّبر لي أصدقاء وزملاء تشرفوا بزيارة الأردن عن دهشتهم لهذه الجغرافيا والطبوغرافيا بحيث تقود سيارتك في أقل من ساعتين بين أخفض بقعة على الأرض في العالم -البحر الميت- وإحدى أعلى قممنا الجبلية في محافظة عجلون -تل مار إلياس- الشاهدة على معجزة أحد الأنبياء العظام لدى المسلمين والمسيحيين واليهود، سيدنا إيليا المعروف أيضا بإلياس. تلك المعجزة التي ارتبطت بالمطر أيضا عندما تجلّت عظمة الله أمام من ضلوا وعبدوا الإله «بعل». للأسف ما زال البعض يصف الأراضي المرويّة مطريا بالمزروعات البعليّة أو بزراعة البعل!

كما عرف العلم تقنية الاستمطار والتلقيح الاصطناعي للغيوم، عرف أجدادنا الأكارم أسرار الاستسقاء والاستمطار: استسقاء غيث الله، واستمطار رحماته وبركاته.. سر الأسرار، تصفية النوايا وشحذ الهمم. لنشمّر عن سواعدنا قبل رفع أكف التضرع وبعدها، كل في ميدانه. أجدادنا الأنباط حفروا الصخر وخزنوا المياه وأجروها في قنوات غاية في الدقة استعصت على الرومان. وحريّ بنا توريث أبنائنا وأحفادنا ما يحفظ أمنهم المائي والزراعي. لن تتخلى عنهم السماء، ولن تضن عليهم الأرض أبدا، فنحن في زمان كثر فيه «البعليون» و»البعليّون الجدد»..






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :