-

المجتمع والناس

تاريخ النشر - 23-11-2022 09:14 AM     عدد المشاهدات 213    | عدد التعليقات 0

(التوجيب الإلكتروني) .. مجاملات اجتماعية تتحكم بشكل العلاقات الإنسانية

الهاشمية نيوز - “بيتك عامر”، “شكرا على العزومة الحلوة”، “بضيافة فلان”، “شكرا على الهدية الحلوة”، وغيرها من العبارات التي يتم ربطها مباشرة بحساب صاحب العزيمة أو حتى من أحضر الهدية وذلك لتعميم الشكر على الجميع عبر مواقع “السوشال ميديا”.
الأمر لم يقتصر على التوجيب والشكر والشعور بالامتنان تجاه الأشخاص الذين قاموا بتقديم شيء مميز، فهو شيء جميل ومقبول ومقدر في حدوده الطبيعية، لكن حينما يتجاوز حدود العتب والزعل وتسجيل المواقف، هنا يكون الأمر مثيرا للاستغراب.
“أصبحت العزائم فيها كثير من التكلف، والتصوير ومشاركة صور المائدة على مواقع التواصل الاجتماعي تعب لابد منه وواجب”، بهذه الكلمات عبرت ليلى أحمد عن كم المجاملات الكبير الذي يفرض عليها في بعض المناسبات التي تحضرها والتي تتطلب منها تصوير تقاصيل زيارتها ومشاركتها على حسابها عبر إنستغرام.
وتقول ليلى “إنستغرام يغزو تقاصيل حياتنا بشكل كبير وأصبحنا نوجب بعضنا بعضا على الستوريات”، وأصبحت اكثر اهمية من “اللمة” الجميلة والحديث المباشر وكأن الستوري تختصر الكلمات والمشاعر.
وتوافقها الرأي حنين السيد التي اقترفت ذنبا لن يغتفر بالنسبة لإحدى صديقاتها التي عتبت عليها لعدم نشرها صورا عبر حسابها على إنستغرام أثناء حضورها مناسبة في بيتها.
وتلفت حنين إلى أن شعور السعادة بالتقائها بصديقات الجامعة التي لم تلتق بهن منذ سنوات وانشغالها بالحديث مع الجميع وتفاصيل الجلسة التي كانت أكثر من رائعة فلم تعط اهتماما لالتقاط الصور وصناعة فيديوهات لنشرها على الإنستغرام وهو ما اعتبرته صديقتها “عدم توجيب لها” باعتبارها المستضيفة.
طغت المجاملات الإلكترونية على المشاعر الحقيقية وكلمات الشكر والمشاعر الحميمية التي أصبحت تقترن بالصورة والفيديو وحالة الواتس أب والإنستغرام، حتى أنها أصبحت بيئة للمناكفات ومساحة للغيرة وغيرها من العلاقات الافتراضية التي اقتحمت الحياة دون استئذان.
“وجبتي فلان أكثر مني.. صورتي في بيت ثاني أكثر ويبدو إنك انبسطتي معهم أكثر من عنا”، رسائل إلكترونية لطالما تصل إلى هند بعد كل مناسبة تحضرها.
وتقول هند، “أصبحت لا أحب حضور المناسبات قبل الذهاب وبت مجبرة على التصوير ومشاركة اللحظات حتى لا يعتب علي أحد”، لافتة إلى أنها كثيرا ما تفقد المتعة في المناسبات التي تذهب اليها بسبب الاستمرار بالتصوير والقلق من أن تنسى مشاركة أحد بالصورة.
التوجيب الإلكتروني نوع جديد من المجاملات الاجتماعية؛ فرضتها مواقع التواصل التي أصبحت فضاء لتبادل التهاني وتقديم الشكر ومنصات لـ”العتب والحرد” في الوقت ذاته.
اختصاصية علم الاجتماع الدكتورة فاديا الإبراهيمي تشير بدورها إلى أن ظهور الثورة الرقمية أحدث تغييرا كبيرا على سلوكيات الأفراد والمجتمعات وغيّرت في انماط الحياة بشكل عام والتفاعل داخل المجتمع.
وتلفت الإبراهيمي إلى أن الناس اعتادت لعقود طويلة على نمط ثابت من التواصل والتفاعل من خلال ما يسمى العادات والتقاليد الاجتماعية لأفراد المجتمع وتقليد الاباء والاجداد فيها إلى ان حصل التقدم التكنولوجي الهائل والذي قدم شكلا جديدا وحديثا من التواصل الانساني.
وتقول الإبراهيمي، هناك مدرستان لتفسير هذا الموضوع المدرسة المتشائمة التي ترى أن ما يحدث يسيء للسلوكيات والعلاقات الاجتماعية وان كل شي في الماضي كان حقيقة اصبح افتراضيا ما يعني ابتعادا عن الإنسانية وعن القيم الاجتماعية التي حافظنا عليها لسنوات طويلة.
ويركز أصحاب هذه المدرسة التشاؤمية على سلبيات هذا التطور وعلى مخاطر الثورة الرقمية ومنها مواقع التواصل الاجتماعي وانها تُباعد بين البشر واصبحت جزءا من التواصل اليومي للأفراد لا يمكن الاستغناء عنه بل وأن الأغلبية استبدلت التواصل الوجاهي او الطبيعي بالتواصل عبر المنصات الالكترونية، ما يعني اضاعة للوقت وتقليل الروابط الاجتماعيه والاسرية وتعرض عدد كبير من الافراد للتنمر او التحرش والابتزاز الى غير ذلك من حيثيات سوء استخدام هذه المواقع.
أما أصحاب المدرسة التفاؤلية بحسب الإبراهيمي، ترى أن ماحدث عبر مواقع التواصل يقرب بين الناس ويزيد فرص التواصل فيما بينهم بكل سرعة وسهولة ودون أي جهد أو تكاليف مادية مع اعطاء الأشخاص فرصة للتواصل مع عدد أكبر من الناس خارج اطار الدولة او حتى القارة، ففتحت آفاقا واسعة للتعارف الانساني المنقطع النظير حيث يمكن ان يكون لك معارف واصدقاء من مختلف الجنسيات والثقافات.
حتى على مستوى العلاقات القديمة والقريبة اصبح التواصل اسهل حيث ممكن لرسالة مكتوبة او صوتية او مكالمة مرئية ان تفي بأغراض كثيرة وتقرب الافكار والمشاعر والمسافات الانسانية، فتهنئة مكتوبة عبر مواقع التواصل قد تسد جهدا ووقتا كبيرا كان ممكن ان يستهلكه الشخص لإتمام هذه المهما الاجتماعية، كما ان مواقع التواصل الاجتماعي اصبحت منصا نعرف من خلالها كل الاحداث والفعاليات الاجتماعية للاصدقاء والمعارف من اعياد ميلاد وزواج وانجاب وحتى المناسبات المؤلمة من مرض ووفيات وفق الإبراهيمي.
وتلفت الإبراهيمي إلى أن الجيد في الثورة التكنولوجية أن الأفراد أصبحوا يعتادون هذا النوع من التواصل ويقبلون به، بل أصبح شكلا أساسيا من أشكال التواصل التي نمارسها كل يوم ولا يمكن الاستغناء عنها.
لا يمكن في هذا الزمن انكار او تجاهل فوائد التواصل الاجتماعي وإيجابياته، أما بالنسبه لتغير العادات والتقاليد التقليدية فهذا شيء طبيعي وهو استحقاق للمجتمعات لأن من سماتها التغير مع مرور الوقت، لكن من المهم أن تكون هنالك حالة من التوازن الحقيقي بين التواصل الوجاهي والتواصل الافتراض حسب الحاجة والقدرة فلا داعي للخلط او الإرباك بل يجب تنمية مهارات التواصل بشكل مستمر.
من جهته يشير استشاري علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة إلى أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت مكانا لتبادل التهاني والتعازي ومكانا للتقرب والتحبب والنفاق في الوقت ذاته.
ويلفت مطارنة إلى أن مواقع التواصل أصبحت لدى عدد كبير هي عالمهم الخاص ويتوحدون معه ويعيشونه كأنه حقيقة ويجدون القيمة والاعتبار والمكانة من خلال اصدقائهم وتفاعلهم معهم من خلال ما يكتبونه لهم ويشاركونهم فيه الصور والفيديوهات.
ويقول مطارنة، “هذه المشاركات تشعر أصحابها بوجودهم وأنهم ذوو مكانة كبيرة بين الناس وهو العالم الجميل لهم”، وبالتالي ينتظرون من خلال أصدقائهم على هذه المنصات التحفيز والأنا الذاتية، لتكبر لديهم وتصبح حقيقة.
ويصف مطارنة هذا الأمر بالإشكالية الحقيقية باعتباره اسقاطا لا شعوريا للمشاكل النفسية وعدم القدرة لتقبل الواقع والعزلة الاجتماعية والاكتفاء بأصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي وتحقيق المكانة الاجتماعية من خلالهم.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :