-

المجتمع والناس

تاريخ النشر - 10-11-2022 09:15 AM     عدد المشاهدات 164    | عدد التعليقات 0

مع أول (شتوة) .. طقوس تعيشها عائلات بموسم قطف الزيتون

الهاشمية نيوز - بشوق وحنين كبيرين، استقبلت أسر أردنية “الشتوة” التي طال انتظارها، وتعد شارة البداية المنتظرة لبدء موسم “قطف الزيتون”؛ هذا التقليد السنوي الأشبه باحتفال يعيشه الصغير والكبير وعبر طقوس تحمل الخير والعطاء معها، وتزود كل بيت بمونة من الزيت والزيتون لا تخلو منها الموائد.
ومع نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر)، بدأت رائحة الزيتون تملأ المكان لتوقظ في داخل الكثيرين “الحنين إلى الماضي” ولهذا الموسم بأجوائه المليئة بالبساطة والألفة. وعائلة الستيني أبو محمد، قامت بتحضير أدوات القطف استعدادا لموسم الخير؛ إذ انتظرت نهاية الأسبوع لتبدأ قطف ثمار الزيتون المباركة.
واعتاد أفراد العائلة أن يجتمعوا جميعا في الصباح الباكر، بعد أن يقوم أبو محمد بإيقاظهم بمداعبتهم تارة والصراخ عليهم تارة أخرى “اللي بدو ياكل زيتون لازم يقطفه، يلا اصحوا من النوم”، مشاهد عفوية ومضحكة تعود بأبنائه الشباب لطفولة عاشوا بها هذه الطقوس وتتكرر في كل عام.
عطلة أسبوع مختلفة يعيشها أفراد عائلة أبو محمد وأحفاده وطقوس مميزة تجمعهم؛ إذ اعتادوا العودة من عمان مكان عملهم الى محافظة إربد، حيث مكان سكن العائلة الممتدة، وأرض الزيتون تحيط به، وذلك للمشاركة في قطف الزينون؛ حيث يتبادلون أطراف الحديث مستذكرين المواسم الماضية، والابتسامة تعلو وجوههم بما مر بها من مواقف لا تنسى تعيدهم الى سنوات مضت.
وفي الصباح، لطالما رافقتهم أغاني فيروز لبدء الصباح بصوت مميز ليأتي من بعدها أبو محمد بمناقيش زعتر ساخنة من الفرن، بينما تعد أم محمد الشاي على الحطب لتقدم لأبنائها إفطارا يمدهم بالطاقة لإكمال اليوم بنشاط. تعب وجهد، لكن يتخللهما ضحك ولعب واجتهاد، ليأتي مع مرور كل ساعة فرد من العائلة يقدم يد العون لمشاركة هذا الاحتفال السنوي في أرض أحبوها وكبروا بين أشجارها.
وقبل ذلك، توجهت أم محمد لجني ثمار الزيتون في أواخر شهر تشرين الأول (أكتوبر) لتجهزها ل”الرصيع” ولإعداد مونة المنزل من الزيتون الأخضر والأسود، فكانت مع ساعات الصباح الباكر تتنقل بين أشجار الزيتون برفقة بناتها لجمع الحبات الخضراء الكبيرة التي تحولت للون الأسود لعمل “الرصيع”، وأخذ حصتهن جميعا من المونة.
“لطالما أعطتنا هذه الأرض من خيرها، فهي تطعمنا طوال العام”، بهذه الكلمات يبارك أبو محمد هذا الموسم المليء بالخيرات، وهنالك الكثير من العائلات، كما عائلة أبو محمد، التي تحيي هذا التقليد وإن تخلله التعب، ولكن الأجواء الغنية بالتراث والذكريات الجميلة تنسيهم التعب.
الى ذلك، تجد أم سمير أن هذا الموسم مصدر رزق لها ولأبنائها وفرصة لسداد الكثير من الالتزامات التي تراكمت طوال العام، وبالرغم من أنها لا تملك أرضا، إلا أنها اعتادت في كل عام أن تتضمن وأبناءها مزارع للزيتون؛ إذ تتفق على قطف الزيتون مقابل ثلث محصول الزيت، ما يحقق لها دخلا جيدا ويؤمن مونة بيتها وتبيع الباقي لتستفيد ماديا.
وإلى جانب تأمين مونتها، تقوم ببيع تنكات الزيت الفائضة على حاجة بيتها بما يحقق لها دخلا إضافيا يعينها وعائلتها على الأعباء الاقتصادية وظروف الحياة الصعبة.
“ما بنقرب على الزيتون إلا بعد ما تشتي”، يقول أبو عمر؛ حيث يغسل المطر الشجر وينظفه من الغبار العالق على حبات الزيتون، مؤكدا بذلك أن الشتاء قد يساعد على مضاعفة إنتاج الزيت ويسهل عليهم عملية القطف، واعتاد أبو عمر مع عائلته أن يتعاونوا جميعا على قطف ثمار الزيتون لتأمين مونة بيته، الى جانب تخصيصهم بضع تنكات من الزيت لصناعة المكمورة والمسخن البلدي وأقراص السبانخ والزلابية.
“موسم الخير والبركة”، هكذا وصفته الحاجة عائشة، مستذكرة طقوس قطف الزيتون في أراضي أبيها وأجدادها وصوت أهازيج “الختياريات”، الذي ما يزال يتردد في داخلها وبدأت تغني بها أثناء حديثها بصوت مليء بالحنين لأيام مضت، وتقول “ما نزال متمسكين بعاداتنا ومهما كبرنا تظل الأرض هي كنزنا”.
ومن جهته، يبين اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، أن موسم قطف الزيتون جزء أساسي من المناسبات الاجتماعية التي يحرص عليها المجتمع، وهي مناسبة ليس فقط للاجتماع والتواصل بل للاحتفال أيضا.
ويوضح جريبيع أن الأردنيين في موسم قطف الزيتون يتعاملون معه كنوع من الاحتفال، وهذا يعكس النظرة الاجتماعية والثقافية والدينية للموسم، فهو تقليد وعرف وعادة يحرص عليها الجميع، مفسرا “أننا نراها في القرى والأرياف بشكل أكبر نظرا لمساحة الأرضي وطبيعتها وطبيعة ثقافة الأفراد، إضافة الى البيئة الجغرافية والتربة”.
ويشير جريبيع الى أن هذه العادة الاجتماعية قد تختلف من منطقة لأخرى فهي عادة متوارثة، منوها إلى أنه نظرا لأهميتها، فإن الأبناء الذين ابتعدوا وانتقلوا الى العاصمة يبقى لديهم حنين لهذا الموسم ويعودون لعائلتهم لمشاركتهم هذه العادة الجميلة برفقة أبنائهم كجزء من عادات وتقاليد المجتمع التي تربوا وكبروا عليها لتتوارثها الأجيال من بعدهم.
ويعتقد جريبيع أن موسم قطف الزيتون ليس موسم حصاد بقدر ما هو عادة وثقافة يحرص الجميع على عيشها بتفاصيلها، فالناس يقطفون الزيتون ويستمتعون في الوقت ذاته ويقضون أوقاتا مبهجة لا تنسى، بالرغم من أنها لم تعد كما السابق؛ إذ طرأت تغييرات وتطورت عبر السنين.
ويؤكد جريبيع أنها للآن ما تزال تشكل جزءا من ثقافة الأسرة، فالكل يفزع للمساعدة، بل المنطقة كلها تتعاون للمساعدة وتخفيف العبء، وهذا جزء من النخوة والفزعة التي يستجيب لها المجتمع على الدوام، مبينا أنه فيما مضى كان أي شخص يعلم أن أحد أهل القرية لديه قطف الزيتون يفزع له، فهي عادة لها جذورها الاجتماعية والثقافية ولا يمكن فهم ثقافتها وقراءتها بشكل صحيح إلا من خلال فهم سياقها الثقافي والاجتماعي عبر التاريخ والعيش بداخلها.
ويشير جريبيع إلى أنه خلال هذا الموسم تتجلى صور التكافل الاجتماعي والتعاضد، فهي إحدى العادات المترسخة فيهم، ولتستطيع فهمها لا تنظر لها على أساس قطف ثمار الزيتون، بل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار البعدين الاجتماعي والثقافي لها والأثرين النفسي والاجتماعي اللذين تتركهما في داخل كل فرد.
وينوه جريبيع إلى أن كل العادات والتقاليد الموجودة بالمجتمعات ستستمر، واستمراريتها قد لا تكون بالقوى نفسها التي كانت سابقا، ولذلك نجد المتمسكين بها الكبار بالسن من الأجداد والآباء ونقلوها لأبناء الجيل التالي، مؤكدا أن الأسرة هي البذرة الأساسية في هذه العادة وترسيخها في الأجيال المقبلة والمجتمع يتغير، وهنالك عادات تذهب وعادت تظهر من جديد، ولكن يبقى الارتباط بالأرض متأصلا فينا.
ويعد الأردن مهد زراعة الزيتون وأحد المواطن الطبيعية لزراعة الزيتون في منطقة الشرق الأوسط، ودليل على ذلك وجود أشجار الزيتون المعمرة التي تسمى بـ”الرومانية” إشارة إلى قدمها في مناطق مختلفة منه، وتشكل حوالي (15-20 %) من المساحة المزروعة بالزيتون.
وبلغت المساحات المزروعة بأشجار الزيتون (570) ألف دونم، وبلغت أعداد الأشجار المزروعة (11) مليون شجرة، وهي تعادل حوالي (72 %) من المساحة المزروعة بالأشجار المثمرة و(20 %) من مجمل المساحة المزروعة.
ويتوفر حالياً في الأردن (139) معصرة تقدر طاقتها الإنتاجية بنحو (451) طنا/ ساعة ومعظمها حديثة مزودة بخطوط إنتاج متطورة، الأمر الذي يؤدي إلى رفع جودة الزيت المنتج القادر على المنافسة والتفوق.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :