-

المجتمع والناس

تاريخ النشر - 25-10-2022 09:50 AM     عدد المشاهدات 194    | عدد التعليقات 0

أماني داود تصادق كرسيها المتحرك وتعاند العوائق بالإنجاز وتأليف الكتب

الهاشمية نيوز - لم تقبل أماني صالح داود (26 عاما)، إلا أن تكون على قدر طموحها، فكانت جديرة بتميزها وبما حققته من نجاحات، حيث آمنت بنفسها فاستطاعت أن تتغلب على كل العوائق بثبات.
عنادها وإصرارها على الوصول رغم المعاناة والتعب كانا الدافع لها لتتمسك أكثر بالحياة وبأحلامها. أماني تصادقت مع كرسيها المتحرك وقررت أن تصنع فارقا في واقع الأشخاص من ذوي الإعاقة عبر مشاركتها في العديد من المبادرات وتأليفها لأكثر من كتاب يتحدث عن فئة ذوي الإعاقة وما يتعرضون له من تنمر وتهميش وظلم في بعض الأحيان. ومؤخرا، حصلت أماني على درجة الماجستير في تخصص التربية الخاصة من الجامعة الهاشمية.
في عمر الثماني سنوات، أصيبت أماني بمرض نادر تسبب لها بضمور في الأعصاب، فلم تفقد القدرة على المشي مباشرة بل كان ذلك بالتدريج، وخلال تلك الفترة واجهت الكثير من المشكلات؛ أولاها نظرة البعض لها، إضافة إلى التنمر، وخاصة داخل المدرسة، ولم يكن يقتصر هذا على الطالبات فقط وإنما بعض المعلمات أيضا لم يتقبلن وجودها.
عاشت أماني وضعا صعبا في المدرسة لدرجة أنه لم يكن لديها صديقات يشاركنها تفاصيل يومها، لذا حاولت أن تجد ملجأ آخر يحتويها، فاتجهت للمكتبة هناك، وبين الكتب الممتعة وجدت أماني نفسها؛ حيث وجدت بعالمها الثاني من تصادقه ويصادقها من تفهم عليه ويفهمها، والفضل في ذلك يرجع لمعلمات اللغة العربية اللواتي شجعنها ودعمنها وأخذن بيدها لكي تستمر وتصل إلى ما تريد.
وتبين أنها كانت ترى المدرسة فقط مرحلة أو طريقا يوصلها للجامعة. ظلت أماني طوال تلك فترة قريبة من عالم الكتب والكتابة، وتمكنت بإرادتها أن تؤلف عددا من القصص التي تم تجميعها لاحقا في كتاب من قبل إحدى معلماتها، وقد حمل اسم “أماني للأطفال”، وهو موجود اليوم في مدارس الملك عبد الله الثاني للتميز.
جلوسها على الكرسي المتحرك في عمر الـ17 عاما لم يكن بشكل مفاجئ، بل كانت على علم مسبق بذلك، لهذا بقيت قوية متماسكة رغم حالات الضعف التي كانت تمر بها أحيانا. تصالحت أماني مع الوضع الجديد وتقبلت حقيقة أنها لن تستطيع المشي مرة أخرى، لكن العقبات لم تتركها. هذه المرة، كان الوضع مختلفا، فالتوجيهي مرحلة حاسمة ومصيرية والأصعب أن الحلم بات وشيكا جدا، فهي على بعد خطوة من تحقيق حلمها الذي لطالما انتظرته وصبرت من أجله.
ازدادت الصعوبات أكثر في هذه المرحلة، وخاصة في التنقل، فكانت ترى في نظرات الكثيرين الاستنكار والتضايق من حركتها البطيئة لكونها تحتاج وقتا أطول من غيرها وكأنهم يستكثرون عليها الذهاب للمدرسة كبقية أقرانها.
أماني، ورغم كل ذلك، لم تستسلم، بل تمسكت أكثر بحلمها وأصرت على أن تمضي نحو الهدف مهما كانت التحديات، مشيرة إلى الدعم الكبير الذي تلقته من والديها ووقوفهما إلى جانبها طيلة كل هذه السنوات، فدراستها بالنسبة لهما كانت أولوية، لذلك بذلا كل ما في وسعهما لتصل هي اليوم إلى ما أرادته.
حصلت أماني على معدل 81 في الفصل الأول، لكن في الفصل الثاني انقطعت عن المدرسة بعد أن اعتذر السائق الوحيد الذي قبل أن ينقلها. ولأن النجاح يوجد من لحظات الذبول والألم والبكاء، فقد تمكنت أماني بإرادتها من اجتياز تلك المرحلة بكل ما فيها متكئة على الأمل وعلى القوة في داخلها.
دخولها الجامعة الهاشمية بتخصص التربية الخاصة كان نقطة الانطلاق بالنسبة لها، لافتة إلى أنها تغيرت كثيرا في هذه الفترة من حياتها، فقد أصبحت شخصية اجتماعية جدا واثقة من نفسها لأقصى حد، متيقنة من دعم والديها وعائلتها لها.
أماني، خلال سنوات دراستها، كانت حريصة على أن تثبت للجميع أن الشخص من ذوي الإعاقة ليس بحاجة للشفقة، هو قادر على مساعدة نفسه ومساعدة غيره في حدود إمكاناته.
دراستها لتخصص التربية الخاصة كانت أحد الأسباب التي ساعدتها على أن تتغير نحو الأفضل وتكون شخصية نشيطة وفعالة، إضافة لدور الأساتذة المهم في تحفيزها والنظر إليها باحترام وتقدير. شاركت أماني في الكثير من المبادرات، فكانت تترجم المحاضرات للأشخاص الصم وتقرأ للطلبة المكفوفين، مبرهنة بذلك على أن الأشخاص من ذوي الإعاقة قادرون على مساعدة بعضهم بعضا، فهم ليسوا عالة على مجتمعهم، الكل يستطيع المساعدة بما لديه من إمكانات. وقد حصدت العديد من الجوائز وشهادات التقدير على تمثيلها الجامعة في مواقف كثيرة وأيضا قدمت مجموعة من المقترحات والأفكار لتهيئة الجامعة بيئيا.
بعد تخرجها في الجامعة، صدمت أماني بالواقع والتوقعات لم تأت على مقاس طموحاتها وأحلامها، فالسنوات الطويلة التي قضتها في السهر والدراسة لم تكن كافية لأن تأخذ فرصتها في العمل وتنقل كل خبرتها وما تعلمته لمن هو بحاجة. لذلك رأت أن توثق كل تلك الخبرات والمعلومات في سلسلة كتب من تأليفها بعنوان “طاقة لا إعاقة”، وقد أطلقت عليها هذا الاسم لإيمانها بأن كل ما عاشته من عوائق وتحديات لم يفقدها طاقتها وشغفها وأيضا لم يمنعها من أن تستمر وتنجح. كما تمكنت من كتابة أول رواية تحمل اسم “جين وراثي”، وتتناول فكرة مهمة، وهي أن الإعاقة جزء من الحياة، ومن ثم كتبت رواية بعنوان “هل يعقل أن تتحدث الأيدي”. هدفها من كل ما تكتبه هو تغيير الكثير من الأفكار عن فئة ذوي الإعاقة، مبينة “يصعب تغيير المجتمع ما لم نغير أنفسنا.. والتغيير يكون بالتدريج وبنشر الوعي وتعريف الناس بكل ما يخص الأشخاص من ذوي الإعاقة”. وعن رؤيتها تجاه القراءة، تؤكد أماني أن في القراءة حياة أخرى، فمن خلالها يتغير الفكر وينضج وأيضا تنمي الخيال والوعي.
أما عن عملها في الجامعة الهاشمية، فهي اليوم تعمل كمشرفة على قاعة الطلبة من ذوي الإعاقة في المكتبة، وتجد أن تأليفها لأكثر من كتاب ونشرها وحصولها على العديد من الجوائز وثقتها الكبيرة بنفسها، كل ذلك ساعدها على إبراز صورتها الحقيقية كشخصية قوية طموحة واعية تحب العمل والإنجاز وتسعى دائما لأن تكون متميزة.
ومؤخرا، تمكنت أماني من الحصول على درجة الماجستير وكانت رسالتها عن اتجاهات الأبناء نحو أولياء الأمور من ذوي الإعاقة وعلاقتها بجودة الحياة، واختيارها لهذا الموضوع تحديدا، كان لأن الرسائل في السابق كانت تتحدث عن الأبناء من ذوي الإعاقة كأفراد عاديين وليس كأشخاص مسؤولين.
لذلك، أرادت من خلال رسالتها تسليط الضوء على أولياء الأمور من ذوي الإعاقة وقدرتهم على تكوين أسر كغيرهم وأن هناك الكثير من النماذج الناجحة فيها الأب والأم مصدر فخر واعتزاز لأبنائهما. وتدعو أماني المجتمع لأن يعطي فرصة للأشخاص من ذوي الإعاقة لكي يعيشوا فعليا ويتعلموا ويتنقلوا ويكونوا جزءا من الحياة الاجتماعية والمهنية، كما تؤكد ضرورة تربية الأبناء على تقبل الاختلاف بهذه الحالة فقط سيتغير المجتمع. وتنصح الأشخاص من ذوي الإعاقة بأن يتعبوا على أنفسهم ويجتهدوا وأن يكونوا طموحين مهما عاندتهم الظروف وألا يتوقفوا عن الحياة بسبب لحظة ضعف، فقد تكون هذه اللحظة سر نجاحهم وقوتهم.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :