-

المجتمع والناس

تاريخ النشر - 05-10-2022 09:17 AM     عدد المشاهدات 140    | عدد التعليقات 0

(تعليلة الشباب) عادة شعبية تراثية حاضرة .. لكن طقوسها تتبدل مع السنين

الهاشمية نيوز - يعود سعيد أحمد (30 عاما) بذاكرته قبل عامين حينما اقترب موعد زفافه وكانت مجمل التجهيزات التي قام بها لـ”تعليلة الشباب” والتي تعد من اهم الحفلات في عائلته قبيل ليلة الزواج، حيث يجتمع الاصدقاء والاحبة من كل مكان لمشاركته البهجة.
ويقول “تعليلة الشباب” سهرة تجمع العائلة والاصدقاء وزملاء العمل الذين قد لا يأتون الى قاعة الزفاف، حيث يشاركونه الفرح ويقدمون النقوط له وهي تبدأ مع ساعات الغروب حتى منتصف الليل وقد تطول أكثر. وفي صباح ذات اليوم تقوم النساء بالتجمع لجبل الحنة والغناء والاحتفال مع والدة العريس استعدادا لحفلة المساء.
ولحسن حظ سعيد، فإن امتلاك عائلته ساحة امامية للمنزل سمح له بنصب “الصيوان” وجمع الاحبة واستمر الاحتفال لساعة متأخرة، ويقول مازحا “تعليلة الشباب أهم من العرس نفسه” لافتا الى اهمية إقامة هذه الحفلة وأنها ضرورية في عائلته الكبيرة، فالجميع يكون بانتظارها عند زواج اي شاب منهم.
ويشير سعيد إلى أن تكلفة التعليلة ارتفعت مع مرور السنوات، وأصبح بعض الشباب يلجأون الى استئجار مزرعة في مكان بعيد إذا لم تكن لديه مساحة لنصب “الصيوان” كما يقوم البعض بإحضار فرقة مع مطرب لإحياء الحفلة، منوها الى ان هذه التعليلة لا تقتصر على عائلته فقط، فالكثير من أهل القرى يهتمون بإقامتها، وحنة العريس والرقص مع الاصحاب، وإن تغير شكلها وتبدل لكن من الصعب إلغاءها.
وتحدث عمر بدارنة عازف الاورغ عن هذه الحفلات التي يشارك بها منذ سنوات، حيث كان شاهدا على التغير الذي حصل من حيث تبدل نمط الاغاني من القديمة للحديثة وأصبح هنالك تنظيم لمثل هذه الحفلات سواء البسيطة منها أو الكبيرة التي تضم فرقة موسيقية ومطربين.
وفي الفترة الاخيرة أقبل البعض على تعدد المطربين فقد تصل لأكثر من مطرب بالحفلة الواحدة، فالتغيرات التي حصلت قادت البعض لإقامة “مهرجان” مصغر وإن اقتصر على العائلة، ومن جهة أخرى فإن تبدل وتغير نمط الأغاني أدى لخسارة تفاعل كبار السن الذين يبحثون عن الاغاني التراثية بينما الشباب وهي الفئة الأغلب تطلب الأغاني الحديثة مثل المجوز والدرازي، وفق بدارنة.
ويشير بدارنة الى أن هنالك اقبالا كبيرا من الشباب على القيام بحفلة التعليلة، وهذا يعتمد بدوره على القدرة المالية بمبدأ “افرح وافرح الناس معي” مبينا أن ليس هنالك فرق كبير ما بين المدينة والقرية من وجهة نظره فكل منهما لها نمطها الخاص.
كما غيرت جائحة كورونا الكثير من العادات الاجتماعية الخاصة في الاعراس والمناسبات اذ كانت تمنع التجمعات، ولهذا أصبحت اغلب المناسبات تقتصر على العائلة بأعداد قليلة ونظرا لتقبل البعض لها واستحسانها استمرت حتى بعد انتهاء الجائحة.
خبير التراث الأردني الدكتور نايف النوايسة يبين انه في التراث الشعبي الأردني والعربي والى فترة قريبة، كانت المواسم تشكل فواصل زمنية مهمة في حياة الانسان، لذلك كان يبدأ موسم الزواج من ليلة الاثنين باعتبارها ليلة مباركة وتنتهي في ليلة الخميس وتعتبر ايضا من الليالي المباركة، وهذا كان لارتباط الانسان بالدين بالإضافة الى الانتهاء من موسم الحصاد الذي ينتظرون طوال العام ليبدأ موسم الزواج من بعده.
ويوضح نوايسة انه في الزمن الحالي أصبحت هذه الأمور متعلقة بواقع نعيشه والبعض تمسك بهذه الفواصل الزمنية، ولكن الزمن أصبح سريعا بوجود التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي والكثير من أسباب الرفاهية بينما فيما مضى كان الناس يعتبرون مثل هذه المناسبات وقتا للرفاهية يأكلون ويشربون ويجتمعون، والآن اختلفت الامور وأصبحت كل هذه المواسم “عادية”.
ويشير نوايسة ايضا الى أن الجانب الوظيفي في حياة الانسان اكثر ضغطا، خصوصا مع صعوبة الحصول على اجازة لمدة طويلة للزواج، لكن سابقا كان يعتمد على الارض وكان هنالك “بحبحة” بوقت الفراغ، والآن تم اختصارها والدعوات أصبحت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي. ويضيف نوايسة، فيما مضى كان الامر مختلفا وكان أهل العريس يعلقون البيرق على بيت الشعر ويعلنون عن الزواج من خلال اطلاق العيارات النارية واشعال النار وهذه الامور اختفت، مبينا “أننا لا نعاند العصر وهذه مسألة مهمة فنحن الآن نحاكي تراثنا الشعبي” من خلال الكتابة عنه سواء في الكتب أو الموسوعات ولكن الواقع اختلف كثيرا بين البنايات الشاهقة.
ويتابع نوايسة أن النمط المعماري والمعيشي وحتى طبيعية الطعام المقدم بهذه الحفلات اختلف، فكثير من الاشخاص لا يستطيعون تحمل تكلفة تقديم المنسف وهو الطعام الرئيسي في المناسبات والاعراس لذلك أصبح يقتصر الامر على الحلويات.
ويعود هذا الاختلاف للنمط المعيشي والوظيفي والمعماري، وفق نوايسة لذلك أصبحت حفلة الزواج لليلة واحدة كافية، والسيدات كذلك كن فيما مضى مهتمات بالزواج ومراسمه لأيام، لكن اليوم اصبحت السيدة موظفة ولا تملك الكثير من الوقت.
ومن الاختلاف الواضح كذلك أنه فيما مضى كانت الربابة ودبكة الشباب تتسيد الحفلة بأكملها، بينما الآن هنالك فرقة ومطرب والديجي فيما سابقا كان تتم مشاركة الجميع ويرقصون “السامر الاردني” وتأتي العائلة والاصدقاء من كل مكان وكان هناك مشاركة جماعية وحالة فرح ليس فقط على مستوى الأهل، ولكن على مستوى البلد بكامله.
ويعزو نوايسة التقليل من هذه المناسبات الى التكلفة المعيشية فالحياة التي يعيشها الناس أصبحت صعبة للغاية والغلاء في ازدياد، وسابقا لم يكن الاعتماد على الرواتب أو على الدخل المحدود، بل على موارد الارض والاغنام والعناصر الاولية وليس هنالك متطلبات للحياة كما هو الآن.
ومن جهة أخرى “كلما ابتعدنا اكثر عن المدينة وجدنا هناك من ينصب بيت الشعر “الصيوان” ويقيم الحفلة لـ3 ايام أو الاقتصار على ليلة واحدة”، اذ إن البعض ما يزال متمسكا بهذه العادة.
ويشير نوايسة إلى أن المدينة اجمالا أجواؤها غير مهيئة، لكن عندما نتحدث عن الارياف هنالك اريحية في المكان فالتوسع الجغرافي لا يسمح بإقامة الصيوان، ولكن في المناطق القروية البعيدة يختلف الامر.
لكن ما يزال هنالك حفاظا على هذه العادات الجميلة ولكن بحدود ضيقة، ولذلك قد تم تسجيل هذا التراث الحي في قائمة تراث الوطن الاردني وفي الكتب التي تكون عن التراث لحفظه ونقل الهوية الحضارية الثقافية.
ومن الجانب الاجتماعي، يبين الدكتور محمد جريبيع أن مفهوم الزواج سابقا وما يتعلق بالافراح كان نوع من التكافل الاجتماعي والاقتصادي وهو جزء من مساعدة المجتمع لاهل الفرح ليس تحت مسمى المساعدة بل الواجب.
ويوضح جريبيع انه عند اقامة الزفاف “العرس” يقوم الجميع بالواجب سواء كان بالنقوط أو إحضار الذبائح معهم من اجل المساعدة في اعداد الولائم وفي نهاية المناسبة يشعر والد العريس أن لديه فائضا وأن جميع التكاليف التي دفعها بمناسبة الزواج عادت لهمن خلال مساهمة من حوله.
ويؤكد جريبيع أن هذه العادة تغيرت كما تغير الكثير من العادات في المجتمع الاردني وذلك يعود للعامل الاقتصادي، وهنالك عوامل اخرى منها ظروف الافراد، اذ ان نمط الحياة تغير وأصبح أسرع والغالبية لديها انشغالات كثيرة.
ويفسر جريبيع أنه في الماضي كانت الناس تحتفل 7 ايام وتسهر طوال الليل للمشاركة بالفرح فليس لديهم انشغالات أخرى بينما الآن يكون الذهاب لزيارة شخص لتأدية الواجب ولا تتجاوز الزيارة ربع ساعة وذلك لان نمط الحياة تغير.
ويضيف أن جغرافية المكان أثرت كذلك، ففي الماضي كان الاردن فيه مساحات كثيرة خالية واي شخص قادر على اقامة زفافه بمكان خال، ينصب بيت الشعر ويبدأ الفرح بينما الان البدائل هي قاعات الحفلات ذات التكلفة الاقتصادية المرتفعة والتي تقتصر على 3 ساعات، لذلك فإن هذه العوامل جميعها غيرت العادات وحتى نظرة الشباب والجيل الجديد لموضوع الزواج، وأصبح هنالك تفكير مختلف وهنالك من يوفر المال لقضاء شهر العسل أو ليكمل تكاليف بيته الذي يعتبره أفضل له من الاحتفال لايام. ويضيف جريبيع أن الاسر اصبحت تتلاقى في الافراح أو الاتراح وبهذا أصبحت هذه المناسبات أحد وسائل التواصل الاجتماعي حتى بين الاقارب أنفسهم.
وينوه جريبيع أن فعاليات حفلات الزفاف فيما مضى لم تكن مكلفة والذي كان يقوم بالحفلة اهل المنطقة أنفسهم بالدبكة الشعبية والرقص والربابة والعود وكانوا يشعرون بالمتعة بصناعة الفرح ولم يكونوا بحاجة الى فرقة ومطرب وهذا الامور التي زادت من التكاليف المالية.
وحتى في القرى تغيرت “التعليلة” واغلب الحضور من الشباب وفئة عمرية محددة، بينما في الماضي كانت الناس جميعها تلتزم بالسهرات وتشارك بالرقص والعزف والدبكة وكانت النساء تشارك” بحبل مودع” بحسب جريبيع. ويختم جريبيع حديثه بأن هذه جميعها ظواهر قلت وحلت مكانها عادات جديدة في مجتمعاتنا.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :