-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 16-05-2022 09:35 AM     عدد المشاهدات 258    | عدد التعليقات 0

الأمنية ..

الهاشمية نيوز -
د.لانا مامكغ

مرَت أيام عصيبة وهي تحاول الاتصال به دون أن يرد على مكالماتها … ووسط حيرتها وقلقها، هاتفها ذات مساء ليخبرها بصوت منطفئ حازم أنه يرغب في لقائها لأمر ضروري، فهرعت إلى المكان بكامل أناقتها ولهفتها وهي تقول لنفسها إنها اللحظة التي انتظرتها طويلا، لحظة تتويج حكاية حب بأجمل نهاية، سيطلب يدها أخيرا .. لتتساءلَ بفرح إن كان في العالم من هي أسعد منها ذلك اليوم ؟
لما وصلت كان أول ما سألت عنه سبب اختفائه على غير عادته، فقاطعها بإشارة من يده ليقول: « آسف … لكن لن أماطل أكثر من ذلك، نحن لا نصلح لبعض، كل شيء بيننا يجب أن ينتهي! «
مادت الأرض تحت قدميها، فشعرت بدوار، وبأنفاسها تتوقف … كانت تشعر كطفلة ألقي بها عنوة داخل بئر سحيقة باردة مظلمة .. لم تعرف كم مر من الوقت وهي تحاول التماسك، إلى أن استطاعت أخيرا رفع رأسها نحوه في محاولة للفهم … لتُفاجأ به قد غادر!
لا تذكر كيف قامت، وكيف مشت، وكيف وصلت إلى بيتها، فقد وجدت نفسها جالسة بذهول في السرير، حاولت البكاء، فلم تستطع، حاولت الحركة أو الصراخ فلم تتمكن … كانت مثل جثة تنتظر التشييع !
اعتكفت في غرفتها لأيام كمحاولة لاستعادة شيء من توازنها، وللعمل على نزعه من ذاكرتها، لكن سرعان ما كانت تتقهقر كجيش مهزوم جريح حين تجده يسكن تفاصيل المكان؛ في ستارتها ومرآتها، في حقيبة يدها، وأدراجها، في وسادتها، وهاتفها … ذلك الذي ظلت تمسك به وترميه كل مرة وهي تعيش اللحظة الجهنمية الفاصلة بين فضولها لتعرف لماذا حدث ما حدث، وبين كرامتها العنيدة التي لم تأبه لجمْر الأسئلة الحارقة في رأسها !
وهكذا، إلى أن قررت العودة إلى عملها أخيرا بعد أن استجلبت كل ما يمكن أن تتقنه من فنون التمثيل … فتظاهرت بالقوة والمرح المعتادين، وحاولت إعادة الحياة عنوة إلى إيقاعها السابق، فتحقق ما أرادت نسبيا؛ خدعت من حولها جميعهم … لكن لم تتمكن من خداع ذاتها، إذ بقيت تتنفس وجوده أينما نظرت!
تمنت لو تغضب من ضعفها، لو تنتفض على انكسارها، فلم تفلح، ولم تتمكن من إيقاف نوبات النحيب التي كانت تنتابها وهي تتأمل فكرة الموت … حين يضطر الإنسان لإقامة جنازة صامتة خفية في داخله لأحدهم … حين يرسل النعي من ذاته إليها!
مرت سنوات، شغلت فيها وقتها بكل ما يمكن أن يستنزف تفكيرها وطاقتها، حتى حدث أن تقدم أحدهم لخطبتها، فلم تجد فيه ما يجذبها، لكن لم تجد ما ينفرها منه كذلك، مما شجعها على الموافقة بشرط مصارحته بتجربتها المريرة تلك … لتفاجأ به يرفض، مصراً على أن الماضي لا يعنيه، وليس من حقه معرفة أي تفاصيل حوله!
أكبرت به ذلك الموقف، ووجدت فيه إشارة جميلة على شهامة كانت تتوق إليها … فتزوجت، ومضت حياتها عادية رتيبة، ليس فيها ما يدهش، وليس فيها، بالمقابل، ما يؤلم، فقد وجدت السلام الذي كانت تبحث عنه باستماتة، خاصة وأن الطيف ذاك كان قد بدأ بالتلاشي حتى اختفى من ذاكرتها تماما دون عناء …
ذات يوم، وفيما كانت تتسوق مع زوجها، لمحته من بعيد … وفي اللحظة التي حسبت فيها أنها ستغضب، أو تحزن، أو تتوجع، وجدت نفسها تنظر نحوه بازدراء، مقاومة شعورا ثقيلا بالندم على مرحلة من حياتها لم تعد تعني لها شيئا !
لكن بقيت تقاوم أمنية واحدة، أمنية حارة فرضت ذاتها بإلحاح … وهي أن تقترب منه لتخبره أنها لم تعد تذكر لماذا أحبته أصلا !
لكن سرعان ما استدارت لتلحق بزوجها وتسير إلى جانبه بزهو وطمأنينة دون أن تلتفت إلى الوراء!




وسوم: #الأمنية


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :