-

مقالات مختارة

تاريخ النشر - 03-11-2021 10:01 AM     عدد المشاهدات 217    | عدد التعليقات 0

جدتي ام علي

الهاشمية نيوز -
بسام ابو النصر

قبل اقل من شهر كنت قد كتبت مقالة وربما لأسباب تقنية وانقطاع الكهرباء ذهبت الكلمات ادراج الرياح وكانت تدور حول حالة حورانية بامتياز لا أعرف فقد لا أستطيع ان أجتر بعض الكلمات التي غالبا ما يعكر صفوها الهم اليومي المتراكم والذي يصير زادا للكثير بحيث لا نستطيع ان نعيد كتابة القصيدة او اللوحة بذات الابداع لكنني سأحاول اجترار الكلمات التي واقعتها عتمة انقطاع التيار فصارت رمادا تذروه رياح الساعات المحترقة واعيد كتابتها .. جدتي التي ودعت عالمنا قبل أكثر من خمس وعشرين عاما، السيدة التي لازمها هذا اللقب دون ان يكون هناك عليا او حمزة، مات الصبيان وبقيت سيدات اربع ماتت احداهن بالسرطان وأخرى نتيجة الإهمال الطبي الذي أستشرى في العبث الدولي في سوريا، واستبقت جدتي الأحداث عندما دفعت بجدي الى زواج اخر يحرر امتناع الصبيان في رحمها، وخطبت اليه عروسا صارت ضُرتها ، ساكنت جدي فأنجبت له اخوالي الثلاث وخالات ثلاث، واثرت بعد هذه الزيجة وحال جدي من الاعتماد على نفسها، فكان لها عالمها الخاص من زراعة القمح والبطيخ ونباتات الحقل المختلفة وزيتها الخاص، وكانت تذهب كلما لزم الامر الى مطحنة الشجرة القرية القريبة من قريتنا الصغيرة ( عمراوة ) مشيا وراء دابتها، لطحن ما توفر لديها من قمح، وكانت توزع على بناتها وضرتها مما تجمعه خلال العام، وكانت بين الفينة والأخرى تعمل على صناعة افران الطابون من طين الوادي ونباتات خاصة تنمو الى جانب النهر، فقد كانت تنتج بمعدل فرنين خلال الأسبوع وكان لديها متسعٌ من الوقت لتعود مرضى القرية، وكل اللواتي أنجبن خلال وكانت لديها حاسة خاصة فيمن ستنجب صبيا او صبيه كانت تعلمنا من خلال قصصها التي تسردها ليلا وما زلنا نحفظها وكنا في الأعياد اول ما نذهب اليها لتوزع علينا الحلوى وخبز العيد والبيض الخاص بالعيد والشلن الغالي الذي تفتح خزانة صغيرة لتعطينا ما تجود به خزانتها
كانت تعلمنا الاعتماد على النفس في مواسم الحصاد حين تذهب لالتقاط سنابل القمح خلف الماكينات الحديثة وعندما كنا نستيقظ باكرا نصلي الفجر وبتشجيع منها ونكمل الحصاد معها حتى الظهر وكنا نشارك في رعي اغنام وماعز تشتريها في مواسم الغلال وتبيعها في مواسم الجفاف وكانت دائما تمتلك المال والحبوب والخضار التي تزرعه هي بنفسها كانت رحمها الله دروسا في الاعتماد على النفس وشحذ الهمم ومدرسة لمكارم الاخلاق في قصصها وحياتها وكانت اثراء في تعاليم الدين التي تتقن نقلها عن مشايخ كانت تجل احتراما خاصا لهم.
لا اعرف ولكن ربما لا استطيع تذكر الجزء الأكبر من مسيرتها واعتقد انها مثلا حيا لكل الجدات اللواتي ما اعتمدن على مؤسسات المعونة الوطنية، كان الوطن غنيا بهن وكن مثالا حيا في الاعتماد على النفس
هل غابت هذه الحالة وهل تغيب في مجتمعنا قيم الخير والحق، وما الذي حولنا الى معتمدين على راتب مهترئ، وحياة لا تستبقي من قيم غنية كتلك التي اعتمدت عليها جدتي، وجداتكم أعترف مسبقا انني وكل الذين استمعوا لقصص جدتي، قد اخذتهم حالات التحضر فباتوا ينتظرون راتب اخر الشهر، وامطار اخر السنه وانغمسوا في مجتمع استهلاكي وشوارع مليئة بحاويات تمتلئ بعلب الهمبرجر الفارغة ،وقطع الخبز الممنتج في مخابز القطاع الخاص، وصارت مطاحن الحبوب بيوتا خربة، وصارت قصص جدتي منسية، وافرانها تراثا لا لزوم له، وصرنا مجتمعا بلا تجذر في ارض نعيش عليها.




وسوم: #جدتي#ام


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :