تاريخ النشر - 19-10-2021 10:42 AM عدد المشاهدات 184 | عدد التعليقات 0
الجدران المسدودة
الهاشمية نيوز -
عائشة الخواجا الرازم
ليس أجمل من إطلاق سراح النفوس خلف الجدران المسدودة، وليس أنفع للإنسان الحي من نسمات الأوكسجين ، وليس أجدى من شحن المخطئ بطاقة العمل فتكون للحبس بدل .
فالراحلون عن الأوكسجين والمخنوقين بالانتقام والعقاب ، هم خسارة إضافية ولكنها مضاعفة ، فالمستحق للعقوبة يحتاج لانقلاب في نوع المعاقبة ، كمثل نبش شحنة الندم والألم في عمق نفسه . ونحن والقضاة وأولي الأمر نحتاج لاستثمار حالة الأسف والاعتذار والوعد من المجرم والمخطيء والخارج عن القانون .
ونحتاج في عصر انفتاح الآفاق الواسعة لتغيير نهج القوانين الوضعية ونتخذ من من كل آية تتحدث عن العفو والرحمة والمسامحة والمغفرة ، ونطبقها على أسس رسمية في العدالة ونستفيد منها ونفيد ونستثمر ونستقطب النفس الأسيانة الندمانة . بنظام يصبح قانونا ، ألا وهو مقايضة المخطيء بالعمل والإنتاج .
فما أعظم تبادل المنفعة الإنسانية حين تؤوب النفس نحو التوبة والندم وهي تحت ضغط العمل والإنتاج وتوزيع طاقتها الكامنة بالخير ، والتي لم يفطن لها المخطيء إلا في لحظة النطق بالعقوبة .
وما أجمل أن نترك العدالة تجري في مجراها وتنطق بالحكم ضد المجرم والمخطيء والآثم والخارج عن القانون ، ثم تضع الحكم بعد فصله في ميزان دقيق توزن به ثمنه النائم في صدر المحكوم .
فيتم استثمار كنز الإنسان لأنه لا يمكن إلا أن يستخرج أي نوع من الكنوز من بئر أي مخطيء .
ننزل دلو المقايضة بالماء يحمله وينشله بذراعيه ويسقى الزرع الناشف .
نقبض على زمنه الحبيس ونستبدله بحرية تحت الشمس يعمل ويكد ويجني ، ويصافح الفجر مؤديا أضعاف ما يؤديه العبد الذي لم يحكم .
لا أدري من هو الذي اخترع السجون وحرمان العباد المخطئين من الهواء ، وجمد في الإنسان هبة العمل المنتج الكثيف وليس الشاق كثمن مقابل حكم القضاء؟
كلما تأملت بمبدأ السجون والزنازين ، أشفق على السجان والقاضي والقانون وعدالة حكم الأرض ، وأرثي لعقليات تثلجت على نصوص عقوبات حرمان الحرية .
فحرمان الحرية ينجب شرا أوسع في نفس المحكوم المحبوس .
فما هي الحرية في نظر وفهم المحكوم بالحبس والإغلاق ؟ هي تنفس هواء الله ورؤية إشراقة السماء وغروب المساء ، وبما أننا نعرف أنها تساوي قدر وحياة وأمل وانتظار المحبوس ، فلماذا لا نستعجل بالعزف على منحه إياها ومقايضتها بالعدل ليدفع ثمنها سعيدا بالعطاء والبذل والمشاركة والتفاعل البناء ليعم جانب الخير في الفريقين ؟
أراهن بأنه سيعطي أجمل ما عند الإنسان السوي الذي لم يرتكب خطأ وجرما بعد . من يضمن أننا كلنا لسنا مشاريع خطائين إلا من رحم الله وهديناه النجدين فشق علينا النجدان ! من يضمن ، وما هي الحرية ؟ ما هي إن لم يتمناها المرء ويستعد لدفع الغالي والنفيس مقابلها ؟
وأعتقد أن المحكوم بالجدران المسدودة يدفع ويخلص ويبالغ بدفع الثمن أضعاف أضعاف من يتغنون بنور الحرية وهم في الفراش يتململون .
ألم يحن الزمن لهؤلاء المضغوطين تحت نير السلف الجاف ، بأن يثوروا لأجل تقزيم الشر الذي يختزنه المحبوس المحروم.