-

المجتمع والناس

تاريخ النشر - 03-10-2021 09:02 AM     عدد المشاهدات 216    | عدد التعليقات 0

(لسنا ضعفاء) .. جهل ثقافي وممارسات خاطئة تحرم ذوي إعاقة حقوقهم

الهاشمية نيوز - «تخيل أنها كانت أول مرة أقرأ فيها كتاباً عن تلك الحالة».. بهذه الكلمات المقتضبة بدأ حسن فالح حديثه عن قصة أخيه أحمد.
ودون أي مقدمات، وجد فالح نفسه يقود مركبته إلى مكتبة قريبة من وسط عمان، لشراء كتابٍ حول مرض «متلازمة داون»، الذي ولد مصاباً به شقيقه قبل نحو 4 سنوات، في محاولة من فالح لمعرفة كيفية التعامل مع أخيه واحتضانه وتفهمه.
وفالح (29 عاماً)، كان صادقاً في تعابير وجه لأبعد حد، حين علم أن أخيه يعاني من متلازمة داون، فرغم صدمة الأهل بمعرفة إصابة ابنهم بمثل هذه الاعاقة، يقول «كنت أرى مثل حالته في السابق، لكنني، ولأول مرة، أشعر بشعور مختلف، شعور جميل يعلمني أن هذه الهبة الإلهية ستكون كفيلة لأن تغير حياتي بالكامل».
أسئلة كثيرة ومهمة كانت تدور في رأسه وهو يهم عائداً في طريقه إلى البيت، ويتابع: «سأجعل أحمد قوياَ، ومتشبثاً بحقه، فهو لا يختلف عني شيئاً، بل قد يكون أذكى مني بكثير وأعقل.. إنه أخي الذي سيغيّر عقلي إلى الأجمل.. إلى عالم أفهم به الحياة بشكل مختلف».
حديث فالح عن شرائه للكتاب والقراءة عن متلازمة داون، مبعثه عدم تقبل والديه مرض أحمد وخوفهم من نظرة الناس إليه، من ناحية أنه سيكون مختلفاً عن باقي أفراد العائلة، كما يتحدث لـ»الدستور».
وأحمد واحد من بين كثيرين لم يجدوا من الأهل تفهماً لحالتهم المرضية، ولاقوا تعابير صادمة وفجة منهم، وسط جهل ثقافي وممارسات خاطئة وعدم وعي يعاني منها أهالي ومسؤولون ينظرون إلى الإعاقة نظرة سطحية قاصرة، تفتقر للوعي الذي من شأنه أن يسهم في تغيير واقع ذوي الإعاقة والسماح لهم بتأدية دورهم على أكمل وجه.
وتعد «متلازمة داون»، حالة اضطراب جيني؛ يختلف من طفل لآخر في شدته، ينتج عن زيادة عدد الكروموسومات من 46 لتصبح 47 كروموسوماً، وذلك عند حدوث انقسام غير طبيعي للخلايا في المادة الوراثية من الكروموسوم رقم 21.
وتجمع تقارير ودراسات محلية على معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة حتى اليوم، من سياسة التهميش التي تدفع البعض لتجريحهم وإهانتهم، أو حتى تجاهلهم المؤذي نفسياً واجتماعياً، والتسبب فعلياً بإحباطهم من خلال إشعارهم الدائم بالعجز والاحتياج التام للآخر، الأمر الذي يخلق بينهم وبين مجتمعهم حواجز من الصعب أن يتخطوها، مع استمرار إهمال الجهات الرسمية للكثير من حقوقهم، والتعامل مع قضاياهم ببرامج مؤقتة ومبادرات غير مستدامة ولا شاملة.
كل تلك المشكلات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة، وخصوصاً عندما يشعرون بأنهم غير مرغوبٍ بهم، أو أنهم عبءٌ على العائلة، تراها رئيسة جمعية «أنا إنسان» آسيا ياغي، بأنها تنعكس على نفسية الشخص ذي الاعاقة، فـ»النفسية هي أساس التطور والوصول لدرجات متطورة في العمل والتعليم». وتلاحظ ياغي، في تصريح لـ»الدستور»، أن هناك «قلة وعي وثقافة وعدم اهتمام كافٍ من قبل الأهل في الكثير من الحالات»، فضلا عما «يواجهه ذوي الإعاقة من غياب خدمات التعليم والتأهيل والصحة والتنشئة، في ظل ارتفاع التكلفة المالية في المؤسسات الأهلية وعدم قدرة الأهل على مجاراة كلف تأمين مثل هذه الخدمات لهم، ناهيك عن تردي أوضاع وخدمات القطاع العام في هذا السياق».
ذوو الإعاقة.. ليسوا ضعفاء!
هل لدينا أطرٌ حقيقية لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة، والذين يشكلون ما نسبته 11.2% من عدد سكان المملكة؟
الإحصاءات الرسمية تقول أن هناك من بين كل 10 أفراد ممن أعمارهم 5 سنوات فأكثر في الأردن فردٌ من ذوي الإعاقة، وغالباً ما يكونون عرضة للتمييز والاستبعاد من الرعاية الصحية والتعليم والتدريب وفرص العمل، حسب الدليل الإعلامي الذي يتناول قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، والذي أصدره المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
فيما يشكل الأشخاص ذوو الإعاقة نحو 15% من السكان على المستوى العالمي، وفق منظمة الصحة العالمية، كما أنهم يحتلون النسبة الأعلى في معدلات الفقر، في ظل وجود عوائق في إيجاد العمل لهم، والذي يعد حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.
عموماً، نسبة توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة تعادل نصف النسبة العامة لمن هم في سن العمل، ويبرز الفرق عند الرجال بشكل أكبر، إذ أن نسبة التوظيف العامة للرجال هي 65% مقارنة بـ 28% عند الرجال ذوي الإعاقة. وفقاً لما سبق، يجد الاختصاصي النفسي والاجتماعي، د. موسى المطارنة أن ثمة «نقصاً كبيرًا» في المبادرات الرسمية والمجتمعية التي تهدف إلى إدماج ذوي الإعاقة بشكل فعال في المجتمع وتأمين حقوقهم الإنسانية المكفولة ضمن المواثيق والاتفاقيات الدولية التي يعد الأردن جزءاً منها. ويلاحظ المطارنة، في حديثه لـ»الدستور»، أن نسبة كبيرة من الأشخاص ذوي الإعاقة في الاردن، الوظيفية على وجه الخصوص، «غير مشمولين بالتأمين الصحي، كما أن نسبة منهم لم تحظ بأيِّ فرصة للتعليم»، مستدلاً بأرقام المجلس الأعلى للسكان الذي يُقرُّ بأن نحو 66% من ذوي الإعاقة الوظيفية ممن تتجاوز أعمارهم 15 عاماً، عاطلون عن العمل.
«فسيلة».. والدرس الأجمل!
ورغم وجود ممارسات خاطئة وجهل كبير لدى عديد عائلات بالتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن حالات مضيئة تفرض نفسها على الساحة وتلقى الترحاب مجتمعياً. قصة الشابة إسلام ضمرة التي وجدت حضناً دافئاً واهتماماً كبيراً من قبل أخيها الصحفي أنس ضمرة، تبعث الأمل في النفوس وتحفز القطاعات المجتمعية على تقدير طاقات هذه الفئة من المواطنين والبشر.
وإسلام (20 عامًا)، المتعايشة مع «متلازمة داون»، أطلقت مبادرةً طموحةً جديدةً تحت أسم «فسيلة»، وهي مشروعٌ غير ربحيٍ مختصٌ ببيع نباتات الزينة ومستلزماتها عبر الإنترنت، إلا أن المشروع يرتبط بغاية نبيلة، أبعد من مجرد تشغيل شخص أو اثنين من ذوي الإعاقة.
ووفق حديث مؤسس مشروع «فسيلة» أنس ضمرة، فإن إيرادات هذا المشروع الناشئ «ستخصص لأغراض تأسيس مركز تدريب مهني متخصص بالعناية بذوي الإعاقة في محافظة الزرقاء»، وهي ثاني أكبر المدن الأردنية من حيث عدد السكان، وتعاني من نقص شديد في مثل هذه المراكز المتخصصة.
إسلام حالياً هي المشرفة على نسبة كبيرة من شؤون المبادرة من منزلها في مدينة الزرقاء، ولديها طموح كبير في الاستفادة من المشروع لتطوير مهاراتها في الإدارة والعمل والمنافسة في هذا المجال، خصوصاً أنها بعد أن أتمت 16 عاماً من عمرها توقفت مراكز التربية الخاصة عن استقبالها، ما ترك في حياتها فراغاً كبيراً.
وذلك بالذات ما جعلها تصرُّ على بناء مشروعٍ نافعٍ لها وللبيئة، ضمن غايةٍ أكثر طموحاً على المدى القريب، لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة لأولئك ممن يبحثون عن فرصٍ للتأهيل المهني والدخول في سوق العمل والمنافسة فيه.
ما فعله أنس مع شقيقته، يتوافق مع حديث الاختصاصية الاجتماعية، آمال العموش، التي ترى أن الأشخاص ذوي الإعاقة هم «أشخاص طبيعيون، لديهم نفس الحقوق في المجتمع، ويجب غرس الثقة في نفوسهم منذ الصغر، وإعطاء كل واحد منهم فرصته كاملةً مثله مثل بقية أقرانه، إلى جانب أنه لا بد أن يكون لدى الأهل وعيٌ كافٍ ويتقبلوا الأمور». وتعتبر العموش، في حديثها لـ»الدستور»، أن المجتمع «لا يملك الوعي الكافي» للتعامل مع هؤلاء الأشخاص، رغم أن هناك أشخاصا يكونون مثالاً للإبداع والنجاح ويحققون ما لا يستطيع شخص سليم تحقيقه، «لذلك لا بدّ من توفير العيش الكريم لهم ودعمهم وتوفير الانخراط لهم في المجتمع وتوفير كافة حقوقهم واستكمال تعليمهم».
قصة في زمن كورونا
انعكاساً لعدم الوعي وغياب الثقافة التي يواجه بها الكثير من ذوي الاعاقة، تأتي قصة حدثت مع فتاة مصابة بإعاقة حركية، طردها أقرباؤها للاشتباه بإصابتها بفيروس كورونا.
القصة، حدثت العام الماضي، وتحديداً في شهر مارس/ آذار، بحسب تصريح سابق للأمين العام للمجلس الأعلى لذوي الإعاقة مهند العزة، الذي بين أن الفتاة «يتيمة وتعيش في منزل أحد اشقائها، أصيبت بالإنفلونزا وخضعت لفحص فيروس كورونا، وكانت النتيجة سلبية، لكن إخوتها وأقاربها رفضوا استقبالها وطردوها خوفاً من أن تكون حاملة لفيروس كورونا رغم النتائج المخبرية الصادرة عن مستشفى الأمير حمزة».
إدارة حماية الأسرة استجابت لنداء المجلس الأعلى لتأمين مأوى للفتاة، وتمكنت من إقناع إحدى شقيقاتها بأنها «لا تشكل أي خطر وأن ما أصيبت به مجرد إنفلونزا عادية» فقبلت استضافتها. لكن المشكلة لم تنته هنا، حيث عزلت الفتاة ذات الإعاقة في غرفة معزولة على سطح بيت شقيقتها في إحدى ضواحي عمان.
طبول التنبيه تقرع.. لنسمعها
جعل قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة في سلم الأولويات والخطط والاستراتيجيات الوطنية، يراها نائب رئيس مجلس أمناء المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، باسل الطراونة، ضرورة «ملحة وكبيرة في هذه الأوقات، وتستدعي، جهداً مجتمعياً ورسمياً والأهم بشكل موضوعي».
ويلفت الطراونة، في حديثه لـ»الدستور»، إلى أن قانون الأشخاص ذوي الاعاقة رقم 20 للعام 2017، ينسجم مع المعايير الدولية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، وكذلك العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وبحسبه، فإن القانون تضمن أحكاماً واضحة وصريحة تحظر التمييز على أساس الإعاقة في مختلف الميادين المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، منبهاً إلى ضرورة اتخاذ تدابير وبرامج وخطط غايتها المحافظة على قدرات ومهارات الأشخاص ذوي الإعاقة وتطويرها، وتنميتها في المجال الصحي، أو الوظيفي، أو التعليمي، أو الاجتماعي. وكانت ورقة موقف أعدها المجلس، أوصت بتضمين حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ومتطلباتهم في القرارات والإجراءات التي تتخذها الجهات ذات العلاقة، بما يضمن مراعاة حقهم في الحفاظ على خصوصيتهم واحترام كرامتهم.
شخصيات «عظيمة».. لنتعرف عليها
ويستذكر المدافعون عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قصص شخصيات من ذوي إعاقة، أفقدهم القدر ما أنعم به على سواهم، غير أنهم استطاعوا بعزمهم وإرادتهم أن يسجلوا صفحات مشرقة في تاريخ البشرية، وأن يكونوا رواداً وعظماء أناروا بإبداعاتهم حياة الشعوب.
هؤلاء المبدعون انطلقوا من واقعهم الضيق إلى رحاب الحياة الواسعة، توظيفاً واندماجاً وعلاقات اجتماعية فاعلة ومتحررة. فهناك العالم ستيفن هوكنغ، الي لم تثنه إعاقته الحركية والجسدية عن الإبداع في علم الفيزياء والكون، وهو مكتشف الثقوب السوداء. وأيضاً عميد الأدب العربي، طه حسين، والفيلسوف والشاعر والمفكر أبي العلاء المعري اللذين كانا من الأشخاص المكفوفين.
ولا يمكن نسيان الفيلسوف والمفكر ألفرد أدلر، صاحب مدرسة «السيكولوجية الفردية»، إذ كان يعاني من إعاقة جسدية، وكذلك الموسيقار الأشهر وأبو السيمفونيات لودفيك بيتهوفن الذي كان أصماً، لكنه استطاع أن يعبر عن مشاعر الإنسان العميقة بقدرة لا تقارن.
هذا عالمياً وعربياً؛ أما أردنياً فقد تكون تجربة جمعية «لونها بالأمل» معلما بارزا في هذا المضمار، فهي جمعية معنية بدعم مواهب الأشخاص ذوي الإعاقة وإبداعاتهم، من خلال تعليمهم فنون الرسم وطرق استخدام الألوان وتوظيفها في أعمالهم، وهي قادرة على تنمية أذواقهم ليصبحوا شيئاً مهماً في المستقبل.
وتلاحظ رئيسة الجمعية، الفنانة التشكيلية غدير حدادين، أن الأشخاص ذوي الإعاقة «لديهم قدرات كبيرة وطاقات مشعة، وهي بحاجة للتطوير»، مؤكدة أهمية العمل على إدماجهم في المجتمع بشكل مباشر، وتعليمهم مهارات تسهم في تعبيرهم عن أنفسهم بشكل فني وإبداعي.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أضـف تعلـيق

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة الهاشمية الإخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة الهاشمية الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

عـاجـل :